وضع الأحاديث في ذمّه











وضع الأحاديث في ذمّه



6314- شرح نهج البلاغة: ذکر شيخنا أبوجعفر الإسکافي رحمه اللَّه تعالي- وکان من المتحقّقين بموالاة عليّ عليه السلام، والمبالغين في تفضيله وإن کان القول

[صفحه 349]

بالتفضيل عامّاً شائعاً في البغداديّين من أصحابنا کافّة إلّا أنّ أباجعفر أشدّهم في ذلک قولاً، وأخلصهم فيه اعتقاداً- أنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة، وقوماً من التابعين علي رواية أخبار قبيحة في عليّ عليه السلام، تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم علي ذلک جعلاً يُرغَب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم: أبوهريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين: عروة بن الزبير.

روي الزهري أنّ عروة بن الزبير حدّثه، قال: حدّثتني عائشة، قالت: کنت عند رسول اللَّه، إذ أقبل العبّاس وعليّ، فقال: يا عائشة، إنّ هذين يموتان علي غير ملّتي!! أو قال ديني....

وأمّا عمرو بن العاص، فروي عنه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مسنداً متّصلاً بعمرو بن العاص، قال: سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم يقول: إنّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، إنّما وليّي اللَّه، وصالح المؤمنين.

وأمّا أبوهريرة فروي عنه الحديث الذي معناه أنّ عليّاً عليه السلام خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم، فأسخطه، فخطب علي المنبر وقال: لاهَا اللَّهِ! لا تجتمع ابنة وليّ اللَّه وابنة عدوّ اللَّه أبي جهل، إنّ فاطمة بضعة منّي؛ يؤذيني ما يؤذيها، فإن کان عليّ يريد ابنة أبي جهل فليُفارق ابنتي، وليفعل ما يريد. أو کلاماً هذا معناه، والحديث مشهور من رواية الکرابيسي....

وروي الأعمش قال: لمّا قدم أبوهريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلي مسجد الکوفة، فلمّا رأي کثرة من استقبله من الناس جثا علي رکبتيه، ثمّ ضرب صلعته مراراً وقال: يا أهل العراق أتزعمون أنّي أکذب علي اللَّه وعلي رسوله، واُحرق نفسي بالنار! واللَّه لقد سمعتُ رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم يقول: إنّ لکلّ نبيّ

[صفحه 350]

حرماً، وإنّ حرمي بالمدينة ما بين عير إلي ثور،[1] فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة اللَّه والملائکة والناس أجمعين. وأشهد باللَّه أنّ عليّاً أحدث فيها.

فلما بلغ معاوية قولَه، أجازه، وأکرمه، وولّاه إمارة المدينة....

قال أبوجعفر: وأبوهريرة مدخول عند شيوخنا، غير مرضيّ الرواية، ضربه عمر بالدِّرَّة وقال: قد أکثرتَ من الرواية وأحرِ[2] بک أن تکون کاذباً علي رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم.

وروي سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم التيمي، قال: کانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلّا ما کان من ذکر جنّة أو نار.

وروي أبواُسامة عن الأعمش، قال: کان إبراهيم صحيح الحديث، فکنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه. فأتيته يوماً بأحاديث من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، فقال: دعني من أبي هريرة؛ إنّهم کانوا يترکون کثيراً من حديثه.

وقد روي عن عليّ عليه السلام أنه قال: ألا إنّ أکذب الناس- أو قال أکذب الأحياء- علي رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم أبوهريرة الدوسي.

وروي أبويوسف قال: قلت لأبي حنيفة: الخبر يجي ء عن رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم يخالف قياسنا، ما تصنع به؟ قال: إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به، وترکنا الرأي. فقلت: ما تقول في رواية أبي بکر وعمر؟ فقال: ناهيک بهما. فقلت: عليّ وعثمان؟ قال: کذلک. فلما رآني أعدّ الصحابة قال: والصحابة کلّهم عدول، ما

[صفحه 351]

عدا رجالاً، ثمّ عدّ منهم أباهريرة، وأنس بن مالک.

وروي سفيان الثوري عن عبدالرحمن بن القاسم عن عمر بن عبدالغفّار أنّ أباهريرة لمّا قدم الکوفة مع معاوية کان يجلس بالعشيّات بباب کندة، ويجلس الناس إليه، فجاء شابّ من الکوفة فجلس إليه، فقال: يا أباهريرة، اُنشدک اللَّه!

أسمعتَ رسولَ اللَّه صلي الله عليه و سلم يقول لعليّ بن أبي طالب: اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه؟! فقال: اللهمّ نعم. قال: فأشهدُ باللَّه لقد واليتَ عدوّه، و عاديتَ وليّه. ثمّ قام عنه.

وروت الرواة أنّ أباهريرة کان يؤاکل الصبيان في الطريق، ويلعب معهم، وکان يخطب وهو أمير المدينة، فيقول: الحمد للَّه الذي جعل الدين قياماً، وأباهريرة إماماً؛ يضحک الناس بذلک. وکان يمشي- وهو أمير المدينة- في السوق، فإذا انتهي إلي رجل يمشي أمامه ضرب برجليه الأرض، ويقول: الطريق، الطريق، قد جاء الأمير؛ يعني نفسه.

قلت: قد ذکر ابن قتيبة هذا کلّه في کتاب المعارف في ترجمة أبي هريرة، وقوله فيه حجّة؛ لأنّه غير متّهم عليه.

قال أبوجعفر: وکان المغيرة بن شعبة يلعن عليّاً عليه السلام لعناً صريحاً علي منبر الکوفة، وکان بلغه عن عليّ عليه السلام في أيّام عمر أنّه قال: «لئن رأيت المغيرة لأرجمنّه بأحجاره»؛ يعني واقعة الزنا بالمرأة التي شهد عليه فيها أبوبکرة، ونکل زياد عن الشهادة، فکان يبغضه لذاک ولغيره من أحوالٍ اجتمعت في نفسه.

قال: وقد تظاهرت الرواية عن عروة بن الزبير أنّه کان يأخذه الزَّمَع[3] عند ذکر عليّ عليه السلام، فيسبّه، ويضرب بإحدي يديه علي الاُخري، و يقول: و ما يُغني أنّه

[صفحه 352]

لم يخالف إلي ما نهي عنه، و قد أراق من دماء المسلمين ما أراق!

قال: وقد کان في المحدّثين من يبغضه عليه السلام، ويروي فيه الأحاديث المنکرة، منهم: حريز بن عثمان، کان يبغضه، وينتقصه، ويروي فيه أخباراً مکذوبة....

قال أبوبکر: وحدّثني أبوجعفر، قال: حدّثني إبراهيم، قال: حدثني محمّد بن عاصم صاحب الخانات، قال: قال لنا حريز بن عثمان: أنتم يا أهل العراق تحبّون عليّ بن أبي طالب، ونحن نُبغضه. قالوا: لِمَ؟ قال: لأ نّه قتل أجدادي.

وروي الواقدي أنّ معاوية لمّا عاد من العراق إلي الشام- بعد بيعة الحسن عليه السلام واجتماع الناس إليه- خطب، فقال: أيّها الناس! إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم قال لي: إنّک سَتَلي الخلافة من بعدي، فاختَر الأرض المقدّسة؛ فإنّ فيها الأبدال. وقد اخترتُکم، فالعنوا أباتراب! فلعنوه.

فلما کان من الغد کتب کتاباً، ثمّ جمعهم فقرأه عليهم، وفيه: هذا کتابٌ کتبه أميرالمؤمنين معاوية صاحب وحي اللَّه الذي بعث محمّداً نبيّاً وکان اُمّيّاً لا يقرأ ولا يکتب، فاصطفي له من أهله وزيراً کاتباً أميناً، فکان الوحي ينزل علي محمّد و أنا أکتبه، و هو لا يعلم ما أکتب، فلم يکُن بيني وبين اللَّه أحد من خلقه.

فقال له الحاضرون کلّهم: صدقتَ يا أميرالمؤمنين.

قال أبوجعفر: وقد روي أنّ معاوية بذل لسَمرة بن جندب مائة ألف درهم حتي يروي أنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُکَ قَوْلُهُ و فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَي مَا فِي قَلْبِهِ ي وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّي

[صفحه 353]

سَعَي فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِکَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ»،[4] وأنّ الآية الثانية نزلت في ابن ملجم؛ وهي قوله تعالي: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ»،[5] فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم، فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألفٍ، فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألفٍ، فقبل، وروي ذلک.[6] .

راجع: کتاب «الغدير»: 209:5.



صفحه 349، 350، 351، 352، 353.





  1. عَيْر وثَوْر: هما جبلان؛ عَير بالمدينة وثَور بمکة (معجم البلدان: 172:4).
  2. حريّ بکذا: أي جدير وخليق، ويُحدّث الرجلُ الرجل فيقول: ما أحراه، وأحرِ به (لسان العرب: 173:14).
  3. الزَّمَع: رِعدَة تعتري الإنسان إذا همّ بأمر، والزَّمَع: القَلَق (لسان العرب: 144:8).
  4. البقرة: 204 و 205.
  5. البقرة: 207.
  6. شرح نهج البلاغة: 63:4.