المغيرة بن شعبة











المغيرة بن شعبة



أسلم في السنة الخامسة للهجرة، بعد أن کان فارّاً لقتله جماعة.[1] .

وليَ البحرين لعمر في بادئ أمره، ثمّ ولّاه علي البصرة، و عزله عنها بزناه، لکن استعمله علي الکوفة.[2] .

قال بعض الظرفاء: کان الرجل يقول للآخر: غضب اللَّه عليک کما غضب أميرالمؤمنين علي المغيرة؛ عزله عن البصرة، فولّاه الکوفة![3] .

[صفحه 309]

و لهذا السبب هدّده الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام بالرجم.[4] .

ثمّ وليَ الکوفةَ لعثمان مدّة.[5] .

و عندما بويع الإمام عليّ عليه السلام بالخلافة بايعه المغيرة، واقترح عليه أن لا يعزل عمّال عثمان، و أن يولّي طلحة و الزبير علي بعض الأمصار، بَيْد أنّ الإمام عليه السلام رفض اقتراحه.[6] .

و من الجدير بالذکر أنّه لم يشترک في جيش معاوية أيّام الإمام عليه السلام،[7] لکنّه کان يبغض الإمام عليه السلام.[8] .

ذهب إلي معاوية حين آل الأمر إليه، فنصبه علي الکوفة،[9] و کان يسبّ الإمام عليه السلام علي المنبر.[10] .

[صفحه 310]

هلک سنة (50 ه). وکان معروفاً بدهائه، وحرصه الکبير علي الزواج والطلاق، حتي ذکر المؤرّخون أنّ نساءه کنّ أکثر من سبعين،[11] أو ثلاثمائة، أو کُنّ ألف امرأة.[12] .

6259- رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم: هامان هذه الاُمّة المغيرة بن شعبة.[13] .

6260- الإمام عليّ عليه السلام- لعمّار بن ياسر وقد سمعه يراجع المغيرة بن شعبة کلاماً-: دَعه يا عمّار؛ فإنّه لم يأخذ من الدين إلّا ما قاربه من الدنيا، و علي عَمدٍ لَبَس علي نفسه؛ ليجعل الشبهات عاذراً لسَقطاتِه.[14] .

6261- الغارات عن جندب بن عبداللَّه: ذُکر المغيرة بن شعبة عند عليّ عليه السلام وجدّه مع معاوية، فقال: وما المغيرة، إنّما کان إسلامة لفَجرةٍ وغَدرةٍ لِمطمئنّين إليه من قومه، فتکَ بهم ورکبها منهم، فهربَ، فأتي النبيّ صلي الله عليه و سلم کالعائذ بالإسلام، واللَّه ما رأي أحدٌ عليه- منذ ادّعي الإسلام- خضوعاً و لا خشوعاً.

ألا و إنّه کان من ثقيف فراعنةٌ قبل يوم القيامة، يجانبون الحقّ، و يُسعرون نيران الحرب، و يوازرون الظالمين. ألا إنّ ثقيفاً قومُ غدرٍ، لا يوفون بعهدٍ، يبغضون العرب کأنّهم ليسوا منهم، ولَرُبّ صالح قد کان فيهم؛ منهم عروة بن مسعود، وأبوعبيد بن مسعود المستشهد بقسّ الناطف[15] علي شاطئ الفرات،

[صفحه 311]

و إنّ الصالح في ثقيف لَغريب.[16] .

6262- شرح نهج البلاغة عن أبي جعفر الإسکافي: إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين علي رواية أخبارٍ قبيحة في عليّ عليه السلام، تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم علي ذلک جُعلاً يُرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه؛ منهم: أبوهريرة، و عمرو بن العاص، و المغيرة بن شعبة، و من التابعين: عروة بن الزبير.[17] .

6263- شرح نهج البلاغة عن أبي جعفر الإسکافي: کان المغيرة بن شعبة يلعن عليّاً عليه السلام لعناً صريحاً علي منبر الکوفة، وکان بلغه عن عليّ عليه السلام في أيّام عمر أنّه قال: لئن رأيت المغيرة لأرجمنّه بأحجاره- يعني واقعة الزنا بالمرأة التي شهد عليه فيها أبوبکرة، ونکل زياد عن الشهادة-، فکان يبغضه لذاک ولغيره من أحوال اجتمعت في نفسه....

و کان المغيرة بن شعبة صاحب دنيا؛ يبيع دينه بالقليل النزر منها، ويُرضي معاوية بذکر عليّ بن أبي طالب عليه السلام؛ قال يوماً في مجلس معاوية: إنّ عليّاً لم يُنکحه رسولُ اللَّه ابنتَه حبّاً، ولکنّه أراد أن يکافئ بذلک إحسان أبي طالب إليه. قال: و قد صحّ عندنا أنّ المغيرة لعنه علي منبر العراق مرّاتٍ لا تُحصي.[18] .

6264- شرح نهج البلاغة: إنّ المغيرة کان أزني الناس في الجاهليّة، فلمّا دخل في الإسلام قيّده الإسلام، وبقيت عنده منه بقيّة ظهرت في أيّام ولايته البصرة.[19] .

[صفحه 312]

6265- الإصابة عن المغيرة بن شعبة: أنا أوّل من رشا في الإسلام، جئت إلي يرفأ- حاجب عمر- وکنت اُجالسه، فقلت له: خذ هذه العمامة فالبسها، فإنّ عندي اُختها. فکان يأنس بي ويأذن لي أن أجلس من داخل الباب، فکنت آتي فأجلس في القائلة،[20] فيمرّ المارّ فيقول: إنّ للمغيرة عند عمر منزلةً؛ إنّه ليدخل عليه في ساعةٍ لا يدخل فيها أحد.[21] .

6266- شرح نهج البلاغة: کان المغيرة بن شعبة يبغض عليّاً عليه السلام منذ أيّام رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم، وتأکّدت بغضته إلي أيّام أبي بکر وعثمان وعمر، وأشار عليه يومَ بويع بالخلافة أن يقرّ معاوية علي الشام مدّة يسيرة، فإذا خُطب له بالشام وتوطّأت دعوته دعاه إليه- کما کان عمر وعثمان يدعوانه إليهما- وصرفه، فلم يقبل، و کان ذلک نصيحة من عدوٍّ کاشح.[22] [23] .

6267- الغارات عن الکلبي: إنّ المغيرة بن شعبة کتب إلي بسر- حين خرج من مکّة متوجّهاً إلي الطائف-:[24] .

أمّا بعد، فقد بلغني مسيرک إلي الحجاز، ونزولک مکّة، وشدّتک علي المريب، وعفوک عن المسي ء، و إکرامک لاُولي النُّهي، فحمدت رأيک في ذلک، فدُم علي صالح ما أنت عليه؛ فإنّ اللَّه لن يزيد بالخير أهله إلّا خيراً، جعلنا اللَّه و إيّاک من الآمرين بالمعروف، و القاصدين إلي الحقّ، و الذاکرين اللَّه کثيراً.[25] .

[صفحه 313]

6268- الکامل في التاريخ- في ذکر البيعة ليزيد بولاية العهد-: کان ابتداء ذلک و أوّله من المغيرة بن شعبة؛ فإنّ معاوية أراد أن يعزله عن الکوفة و يستعمل عوضه سعيد بن العاص، فبلغه ذلک فقال: الرأي أن أشخص إلي معاوية فأستعفيه؛ ليظهر للناس کراهتي للولاية. فسار إلي معاوية، و قال لأصحابه حين وصل إليه: إن لم أکسبکم الآن ولاية و إمارة لا أفعل ذلک أبداً!

و مضي حتي دخل علي يزيد، وقال له: إنّه قد ذهب أعيان أصحاب النبيّ صلي الله عليه و سلم وآله و کبراء قريش وذوو أسنانهم، و إنّما بقي أبناؤهم، و أنت من أفضلهم و أحسنهم رأياً، وأعلمهم بالسنّة و السياسة، و لا أدري ما يمنع أميرالمؤمنين أن يعقد لک البيعة!

قال: أوَتري ذلک يتمّ؟ قال: نعم.

فدخل يزيد علي أبيه، وأخبره بما قال المغيرة، فأحضر المغيرةَ وقال له: ما يقول يزيد! فقال: يا أميرالمؤمنين، قد رأيت ما کان من سفک الدماء، والاختلاف بعد عثمان، وفي يزيد منک خَلَفٌ، فاعقِد له، فإن حدث بک حادثٌ کان کهفاً للناس، وخَلَفاً منک، ولا تُسفک دماء، ولا تکون فتنة. قال: ومن لي بهذا؟ قال: أکفيک أهل الکوفة، ويکفيک زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفک.

قال: فارجع إلي عملک، وتحدّث مع مَن تثِق إليه في ذلک، وتري ونري. فودّعه ورجع إلي أصحابه. فقالوا: مَهْ؟ قال: لقد وضعتُ رجل معاوية في غرز بعيد الغاية علي اُمّة محمّد، و فتقتُ عليهم فتقاً لا يُرتق أبداً، وتمثّل:


بمِثلي شاهدِي النجوي وغالِي
بيَ الأعداءَ والخصمَ الغِضابا

[صفحه 314]

وسار المغيرة حتي قدم الکوفة، وذاکر من يثِق إليه ومن يعلم أنّه شيعة لبني اُميّة أمرَ يزيد، فأجابوا إلي بيعته، فأوفد منهم عشرة، ويقال: أکثر من عشرة، وأعطاهم ثلاثين ألف درهم، وجعل عليهم ابنه موسي بن المغيرة، وقدموا علي معاوية فزيّنوا له بيعة يزيد، ودعوه إلي عقدها.

فقال معاوية: لاتعجلوا بإظهار هذا وکونوا علي رأيکم. ثمّ قال لموسي: بِکَم اشتري أبوک من هؤلاء دينَهم؟ قال: بثلاثين ألفاً. قال: لقد هان عليهم دينهم.[26] .



صفحه 309، 310، 311، 312، 313، 314.





  1. صحيح البخاري: 2581:976:2، مسند ابن حنبل: 18177:331:6 و ص 18950:498، السيرة النبويّة لابن کثير: 332:3، تاريخ دمشق: 23:60، الأغاني: 89:16، سير أعلام النبلاء: 7:24:3؛ الغارات: 517:2.
  2. اُسد الغابة: 5071:239:5، الاستيعاب: 2512:8:4، الإصابة: 8197:157:6، تاريخ دمشق: 31:60.
  3. تاريخ دمشق: 41:60، سير أعلام النبلاء: 7:28:3.
  4. شرح نهج البلاغة: 69:4.
  5. اُسد الغابة: 5071:239:5، الاستيعاب: 2512:8:4.
  6. أنساب الأشراف: 10:3، مروج الذهب: 363:2، تاريخ الطبري: 440:4، الأغاني: 101:16، الاستيعاب: 2512:9:4، الإمامة والسياسة: 116:1؛ المناقب للکوفي: 785:312:2، وقعة صفّين: 52.
  7. سير أعلام النبلاء: 7:29:3، اُسد الغابة: 5071:239:5، الاستيعاب: 2512:8:4، الإصابة: 8197:157:6.
  8. الغارات: 516:2.
  9. المستدرک علي الصحيحين: 5890:506:3، تاريخ دمشق: 45:60، سير أعلام النبلاء: 7:29:3، الأغاني: 89:16، اُسد الغابة: 5071:239:5، الإصابة: 8197:157:6، الاستيعاب: 2512:8:4؛ تاريخ اليعقوبي: 219:2.
  10. مسند ابن حنبل: 19308:80:7 و ج 1631:398:1، المستدرک علي الصحيحين:5898:509:3، أنساب الأشراف: 252:5 و ص 261، سير أعلام النبلاء: 104:1 و ص 105.
  11. سير أعلام النبلاء: 7:31:3.
  12. اُسد الغابة: 5071:238:5، الاستيعاب: 2512:8:4.
  13. الإيضاح: 66 عن أبي ذرّ.
  14. نهج البلاغة: الحکمة 405.
  15. قُسّ الناطف: قرب الکوفة علي شاطئ الفرات، عنده وقعة بين الفرس وبين المسلمين وذلک في خلافة عمر، قُتل فيه أبوعبيد بن مسعود الثقفي (تاج العروس: 415:8).
  16. الغارات: 516:2؛ شرح نهج البلاغة: 80:4.
  17. شرح نهج البلاغة: 63:4.
  18. شرح نهج البلاغة: 69:4 و70.
  19. شرح نهج البلاغة: 239:12.
  20. القائلة: الظهيرة (لسان العرب: 577:11).
  21. الإصابة: 8197:157:6.
  22. الکاشح: العدوّ الباطن العداوة (لسان العرب: 572:2).
  23. شرح نهج البلاغة: 101:16.
  24. الطّائِف: بليدة قرب مکّة علي ظهر جبل غزوان، و هو أبرد مکان بالحجاز (راجع تقويم البلدان: 94).
  25. الغارات: 609:2؛ شرح نهج البلاغة: 12:2.
  26. الکامل في التاريخ: 508:2 و راجع تاريخ الطبري: 301:5 و الإمامة و السياسة: 187:1 و تاريخ اليعقوبي: 219:2.