كلام حول ما أخبر به الإمام من الاُمور الغيبيّة











کلام حول ما أخبر به الإمام من الاُمور الغيبيّة



قال ابن أبي الحديد في شرح ما مرّ من کلامه عليه السلام (في الخطبة: 93): «فصل في ذکر اُمور غيبيّة أخبر بها الإمام ثمّ تحقّقت»:

واعلم أ نّه عليه السلام قد أقسم في هذا الفصل باللَّه الذي نفسه بيده، أ نّهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة إلّا أخبرهم به، وأ نّه ما صحّ من طائفة من الناس يهتدي بها مائة وتضلّ بها مائة، إلّا وهو مخبرٌ لهم- إن سألوه- برعاتها وقائدها وسائقها ومواضع نزول رکابها وخيولها، ومن يقتل منها قتلاً، ومن يموت منها موتاً.

وهذه الدعوي ليست منه عليه السلام ادّعاء الربوبيّة، ولا ادّعاء النبوّة، ولکنّه کان يقول: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم أخبره بذلک. ولقد امتحنّا إخباره فوجدناه موافقاً، فاستدللنا بذلک علي صدق الدعوي المذکورة، کإخباره عن الضربة يُضرب بها في رأسه فتخضِب لحيته.

وإخباره عن قتل الحسين ابنه عليهماالسلام، وما قاله في کربلاء حيث مرّ بها.

وإخباره بملک معاوية الأمر من بعده، وإخباره عن الحجّاج، وعن يوسف بن

[صفحه 152]

عمر، وما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان، وما قدّمه إلي أصحابه من إخباره بقتل من يقتل منهم، وصلب من يصلب.

وإخباره بقتال الناکثين والقاسطين والمارقين، وإخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الکوفة لمّا شخص عليه السلام إلي البصرة لحرب أهلها.

وإخباره عن عبداللَّه بن الزبير، وقوله فيه: «خَبٌّ[1] ضَبّ، يروم أمراً ولا يدرکه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا، وهو بعد مصلوب قريش».

وکإخباره عن هلاک البصرة بالغرق، وهلاکها تارةً اُخري بالزنج، وهو الذي صحّفه قوم فقالوا: بالريح، وکإخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان، وتنصيصه علي قوم من أهلها يعرفون ببني رزيق- بتقديم المهملة- وهم آل مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين وولده وإسحاق بن إبراهيم، وکانوا هم وسلفهم دعاة الدولة العبّاسيّة.

وکإخباره عن الأئمّة الذين ظهروا من ولده بطبرستان،[2] کالناصر والداعي وغيرهما، في قوله عليه السلام: «وإنّ لآل محمّد بالطالقان[3] لکنزاً سيظهره اللَّه إذا شاء، دعاؤه حقّ يقوم بإذن اللَّه فيدعو إلي دين اللَّه».

وکإخباره عن مقتل النفس الزکيّة بالمدينة، وقوله: «إنّه يُقتل عند أحجار

[صفحه 153]

الزيت».[4] .

وکقوله عن أخيه إبراهيم المقتول بباب حمزة: «يُقتل بعد أن يَظهر، ويُقهر بعد أن يَقهر».

وقوله فيه أيضاً: «يأتيه سهم غَرِب يکون فيه منيّته فيابؤساً للرامي! شُلّت يده، ووهن عضده».

وکإخباره عن قتلي وجّ،[5] وقوله فيهم «هم خير أهل الأرض».

وکإخباره عن المملکة العلويّة بالغرب، وتصريحه بذکر کتامة؛ وهم الذين نصروا أباعبداللَّه الداعي المعلّم.

وکقوله وهو يشير إلي أبي عبداللَّه المهدي: وهو أوّلهم ثمّ يظهر صاحب القيروان[6] الغضّ البضّ، ذو النسب المحض، المنتجب من سلالة ذي البداء، المسجّي بالرداء. وکان عبيداللَّه المهدي أبيض مترفاً مشرباً بحمرة، رخص البدن، تارّ[7] الأطراف. وذو البداء: إسماعيل بن جعفر بن محمّد عليهماالسلام، وهو المسجّي بالرداء؛ لأنّ أباه أباعبداللَّه جعفراً سجّاه بردائه لمّا مات، وأدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه، ليعلموا موته، وتزول عنهم الشبهة في أمره.

وکإخباره عن بني بويه وقوله فيهم: «ويخرج من ديلمان[8] بنو الصيّاد»، إشارة إليهم. وکان أبوهم صيّاد السمک، يصيد منه بيده ما يتقوّت هو وعياله

[صفحه 154]

بثمنه، فأخرج اللَّه تعالي من ولده لصلبه ملوکاً ثلاثة، ونشر ذريّتهم حتي ضربت الأمثال بملکهم.

وکقوله عليه السلام فيهم: «ثمّ يستشري أمرهم حتي يملکوا الزوراء، ويخلعوا الخلفاء. فقال له قائل: فکم مدّتهم يا أميرالمؤمنين؟ فقال: مائة أو تزيد قليلاً».

وکقوله فيهم: «والمترف ابن الأجذم، يقتله ابن عمّه علي دجلة»، وهو إشارة إلي عزّالدولة بختيار بن معزّ الدولة أبي الحسين، وکان معزّ الدولة أقطع اليد، قطعت يده للنکوص في الحرب، وکان ابنه عزّالدولة بختيار مترفاً، صاحب لهو وشرب، وقتله عضد الدولة فناخسرو ابن عمّه بقصر الجصّ علي دجلة في الحرب، وسلبه ملکه.

فأمّا خلعهم للخلفاء، فإنّ معزّ الدولة خلع المستکفي ورتّب عوضه المطيع، وبهاء الدولة أبانصر بن عضد الدولة خلع الطائع ورتّب عوضه القادر، وکانت مدّة ملکهم کما أخبر به عليه السلام.

وکإخباره عليه السلام لعبد اللَّه بن العبّاس رحمه الله عن انتقال الأمر إلي أولاده، فإنّ عليّ بن عبداللَّه لمّا ولد، أخرجه أبوه عبداللَّه إلي عليّ عليه السلام، فأخذه وتفل في فيه وحنّکه بتمرة قد لاکها، ودفعه إليه، وقال: خذ إليک أباالأملاک. هکذا الرواية الصحيحة، وهي التي ذکرها أبوالعبّاس المبرّد في کتاب «الکامل»، وليست الرواية التي يذکر فيها العدد بصحيحة ولا منقولة من کتاب معتمد عليه.

وکم له من الإخبار عن الغيوب الجارية هذا المجري، ممّا لو أردنا استقصاءه لکرّسنا له کراريس کثيرة، وکتب السير تشتمل عليها مشروحة.[9] .

[صفحه 155]

وقال ابن أبي الحديد أيضاً في شرح الخطبة 37 تحت عنوان «الأخبار الواردة عن معرفة الإمام عليّ عليه السلام بالاُمور الغيبيّة»:

روي ابن هلال الثقفي في کتاب «الغارات» عن زکريّا بن يحيي العطّار عن فُضيل عن محمّد بن عليّ، قال: لمّا قال علي عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فواللَّه لا تسألونني عن فئة تُضلّ مائة وتهدي مائة إلّا أنبأتکم بناعقتها وسائقتها- قام إليه رجل فقال: أخبرني بما في رأسي ولحيتي من طاقة شعر!

فقال له عليّ عليه السلام: واللَّه لقد حدّثني خليلي أنّ علي کلّ طاقة شعرٍ من رأسک ملکاً يلعنک، وأنّ علي کلّ طاقة شعر من لحيتک شيطاناً يغويک، وأنّ في بيتک سخلاً يقتل ابن رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم- وکان ابنه قاتل الحسين عليه السلام يومئذٍ طفلاً يحبو- وهو سنان بن أنس النخعي.

وروي محمّد بن إسماعيل بن عمرو البجلي، قال: أخبرنا عمرو بن موسي الوجيهي عن المنهال بن عمرو عن عبداللَّه بن الحارث، قال: قال عليّ عليه السلام علي المنبر:

ما أحد جرت علي المواسي إلّا وقد أنزل اللَّه فيه قرآناً.

فقام إليه رجل من مبغضيه فقال له: فما أنزل اللَّه تعالي فيک؟

فقام الناس إليه يضربونه، فقال:

دعوه، أتقرأ سورة هود؟

قال: نعم.

قال: فقرأ عليه السلام «أَفَمَن کَانَ عَلَي بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ي وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ»[10] ثمّ قال: الذي

[صفحه 156]

کان علي بيّنة من ربّه محمّد صلي الله عليه و سلم، والشاهد الذي يتلوه أنا....

وروي عثمان بن سعيد عن شريک بن عبداللَّه، قال: لمّا بلغ عليّاً عليه السلام أنّ الناس يتّهمونه فيما يذکره من تقديم النبي صلي الله عليه و سلم وتفضيله إيّاه علي الناس، قال:

أنشد اللَّه من بقي ممّن لقي رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم وسمع مقاله في يوم غدير خمّ إلّا قام فشهد بما سمع.

فقام ستّة ممّن عن يمينه، من أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم، وستّة ممّن علي شماله من الصحابة أيضاً، فشهدوا أ نّهم سمعوا رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم يقول ذلک اليوم، وهو رافع بيدي عليّ صلي الله عليه و سلم: «من کنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه.

وروي محمّد بن عليّ الصوّاف عن الحسين بن سفيان عن أبيه عن شمير بن سدير الأزدي، قال: قال عليّ عليه السلام لعمرو بن الحمق الخزاعي:

أين نزلت يا عمرو؟

قال: في قومي.

قال: لا تنزلنّ فيهم.

قال: فأنزل في بني کنانة جيراننا؟

قال: لا.

قال: فأنزل في ثقيف؟

قال: فما تصنع بالمعرّة والمجرّة؟

قال: وما هما؟

[صفحه 157]

قال: عُنقان من نار، يخرجان من ظهر الکوفة، يأتي أحدهما علي تميم وبکر بن وائل، فقلّما يفلت منه أحد، ويأتي العنق الآخر، فيأخذ علي الجانب الآخر من الکوفة، فقلّ من يصيب منهم، إنّما يدخل الدار فيحرق البيت والبيتين.

قال: فأين أنزل؟

قال: انزلْ في بني عمرو بن عامر، من الأزد.

- قال: فقال قوم حضروا هذا الکلام: ما نراه إلّا کاهناً يتحدّث بحديث الکهنة-.

فقال: يا عمرو، إنّک المقتول بعدي، وإنّ رأسک لمنقول، وهو أوّل رأس ينقل في الإسلام، والويل لقاتلک! أما إنّک لا تنزل بقوم إلّا أسلموک برمّتک، إلّا هذا الحيّ من بني عمرو بن عامر من الأزد، فإنّهم لن يسلموک ولن يخذلوک.

قال: فواللَّه ما مضت إلّا أيّام حتي تنقّل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في بعض أحياء العرب، خائفاً مذعوراً، حتي نزل في قومه من بني خزاعة، فأسلموه، فقتل وحمل رأسه من العراق إلي معاوية بالشام، وهو أوّل رأس حمل في الإسلام من بلد إلي بلد.

وروي إبراهيم بن ميمون الأزدي عن حبّة العرني، قال: کان جويرية بن مسهر العبدي صالحاً، وکان لعليّ بن أبي طالب صديقاً، وکان عليّ يحبّه، ونظر يوماً إليه وهو يسير، فناداه: يا جويرية، الحقْ بي، فإنّي إذا رأيتک هويتک.

قال إسماعيل بن أبان: فحدّثني الصبّاح عن مسلم عن حبّة العُرني، قال: سرنا مع عليّ عليه السلام يوماً فالتفت فإذا جويرية خلفه بعيداً، فناداه: يا جويرية، الحقْ بي لا أبالک! ألا تعلم أنّي أهواک واُحبّک! قال: فرکض نحوه، فقال له:

[صفحه 158]

إنّي محدّثک باُمور فاحفظها.

ثمّ اشترکا في الحديث سرّاً، فقال له جويرية: يا أميرالمؤمنين، إنّي رجلٌ نسيّ.

فقال له: إنّي اُعيدُ عليک الحديث لتحفظه، ثمّ قال له في آخر ما حدّثه إيّاه: يا جويرية، أحبب حبيبنا ما أحبّنا، فإذا أبغضنا فأبغضه، وأبغض بغيضنا ما أبغضنا، فإذا أحبّنا فأحبّه.

قال: فکان ناس ممّن يشکّ في أمر عليّ عليه السلام يقولون: أ تراه جعل جويرية وصيّه کما يدّعي هو من وصيّة رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم؟

قال: يقولون ذلک لشدّة اختصاصه له، حتي دخل علي عليّ عليه السلام يوماً، وهو مضطجع، وعنده قوم من أصحابه، فناداه: جويرية، أيّها النائم استيقظ، فلتُضربنّ علي رأسک ضربة تخضب منها لحيتک، قال: فتبسّم أميرالمؤمنين عليه السلام، قال:

واُحدّثک يا جويرية بأمرک؛ أما والذي نفسي بيده لتعتلنّ إلي العتلّ الزنيم، فليقطعنّ يدک ورجلک وليصلبنّک تحت جذع کافر.

قال: فواللَّه ما مضت إلّا أيّام علي ذلک حتي أخذ زياد جويرية، فقطع يده ورجله وصلبه إلي جانب جذع ابن مکعبر، وکان جذعاً طويلاً، فصلبه علي جذع قصير إلي جانبه.

وروي إبراهيم في کتاب «الغارات» عن أحمد بن الحسن الميثمي، قال: کان ميثم التمّار مولي عليّ بن أبي طالب عليه السلام عبداً لامرأة من بني أسد، فاشتراه عليّ عليه السلام منها وأعتقه، وقال له: ما اسمک؟

فقال: سالم.

[صفحه 159]

فقال: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم أخبرني أنّ اسمک الذي سمّاک به أبوک في العجم: ميثم.

فقال: صدق اللَّه ورسوله، وصدقت يا أميرالمؤمنين، فهو واللَّه اسمي.

قال: فارجع إلي اسمک، ودع سالماً، فنحن نکنّيک به، فکنّاه أباسالم.

قال: وقد کان قد أطلعه عليّ عليه السلام علي علم کثير، وأسرار خفيّة من أسرار الوصيّة، فکان ميثم يحدّث ببعض ذلک، فيشکّ فيه قوم من أهل الکوفة، وينسبون عليّاً عليه السلام في ذلک إلي المخرقة والإيهام والتدليس، حتي قال له يوماً بمحضر من خَلْق کثير من أصحابه، وفيهم الشاکّ والمخلص:

يا ميثم، إنّک تؤخذ بعدي وتصلب، فإذا کان اليوم الثاني ابتدر منخراک وفمک دماً، حتي تخضب لحيتک، فإذا کان اليوم الثالث طعنت بحربة يقضي عليک، فانتظر ذلک. والموضع الذي تصلب فيه علي باب دار عمرو بن حريث، إنّک لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهّرة- يعني الأرض- ولأرينّک النخلة التي تصلب علي جذعها.

ثمّ أراه إيّاها بعد ذلک بيومين، وکان ميثم يأتيها، فيصلّي عندها، ويقول: بورکت من نخلة لک خُلقت، ولي نبتّ، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل عليّ عليه السلام، حتي قطعت، فکان يرصد جذعها، ويتعاهده ويتردّد إليه، ويبصره، وکان يلقي عمرو بن حريث، فيقول له:

إنّي مجاورک فأحسن جواري. فلا يعلم عمرو ما يريد، فيقول له: أ تريد أن تشتري دار ابن مسعود، أم دار ابن حکيم؟!

قال: وحجّ في السنة التي قتل فيها، فدخل علي اُمّ سلمة رضي اللَّه عنها،

[صفحه 160]

فقالت له: من أنت؟! قال: عراقي. فاستنسبته، فذکر لها أنّه مولي عليّ بن أبي طالب. فقالت: أنت هيثم. قال: بل أنا ميثم.

فقالت: سبحان اللَّه! واللَّه لربّما سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم يوصي بک عليّاً في جوف الليل.

فسألها عن الحسين بن عليّ، فقالت: هو في حائط له، قال:

أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء اللَّه، ولا أقدر اليوم علي لقائه، واُريد الرجوع.

فدعت بطيب فطيّبت لحيته، فقال لها: أما إنّها ستخضب بدم.

فقالت: من أنبأک هذا؟ قال: أنبأني سيّدي.

فبکت اُمّ سلمة، وقالت له: إنّه ليس بسيّدک وحدک؛ هو سيّدي وسيّد المسلمين، ثمّ ودّعته. فقدم الکوفة، فاُخذ واُدخل علي عبيداللَّه بن زياد. وقيل له: هذا کان من آثر الناس عند أبي تراب. قال: ويحکم! هذا الأعجمي؟!

قالوا: نعم. فقال له عبيداللَّه: أين ربّک؟ قال: بالمرصاد.

قال: قد بلغني اختصاص أبي تراب لک. قال: قد کان بعض ذلک، فما تريد؟

قال: وإنّه ليقال إنّه قد أخبرک بما سيلقاک. قال: نعم، إنّه أخبرني.

قال: ما الذي أخبرک أ نّي صانع بک؟ قال: أخبرني أ نّک تصلُبني عاشر عشرة وأنا أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهّرة. قال: لاُخالفنّه.

قال: ويحک! کيف تخالفه؟! إنّما أخبر عن رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم، وأخبر رسول اللَّه عن جبرائيل، وأخبر جبرائيل عن اللَّه، فکيف تخالف هؤلاء؟! أما واللَّه لقد

[صفحه 161]

عرفت الموضع الذي اُصلب فيه أين هو من الکوفة، وإنّي لأوّل خلق اللَّه اُلجم في الإسلام بلجام کما يلجم الخيل.

فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي، فقال ميثم للمختار- وهما في حبس ابن زياد-: إنّک تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين عليه السلام، فتقتل هذا الجبّار الذي نحن في سجنه، وتطأ بقدمک هذه علي جبهته وخدّيه.

فلمّا دعا عبيداللَّه بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بکتاب يزيد بن معاوية إلي عبيداللَّه بن زياد، يأمره بتخلية سبيله، وذاک أنّ اُخته کانت تحت عبداللَّه بن عمر بن الخطّاب، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلي يزيد فشفع، فأمضي شفاعته، وکتب بتخلية سبيل المختار علي البريد، فوافي البريد، وقد اُخرج ليضرب عنقه، فاُطلق.

وأمّا ميثم فاُخرج بعده لِيُصلب، وقال عبيداللَّه: لأمضين حکم أبي تراب فيه.

فلقيه رجل، فقال له: ما کان أغناک عن هذا يا ميثم؟ فتبسّم، وقال:

لها خلقت، ولي غُذِيتْ.

فلمّا رفع علي الخشبة اجتمع الناس حوله علي باب عمرو بن حريث، فقال عمرو: لقد کان يقول لي: إنّي مجاورک. فکان يأمر جاريته کلّ عشيّة أن تکنس تحت خشبته وترشّه، وتجمّر بالمجمر تحته.

فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم، ومخازي بني اُميّة، وهو مصلوب علي الخشبة، فقيل لابن زياد: قد فضحکم هذا العبد.

فقال: ألجموه فاُلجم، فکان أوّل خلق اللَّه اُلجم في الإسلام. فلمّا کان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دماً، فلمّا کان في اليوم الثالث طُعِن بحربة فمات.

[صفحه 162]

وکان قتل ميثم قبل قدوم الحسين عليه السلام العراق بعشرة أيّام.

قال إبراهيم: وحدّثني إبراهيم بن العبّاس النهدي، حدّثني مبارک البجلي عن أبي بکر بن عياش، قال: حدّثني المجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر الحارثي، قال: کنت عند زياد، وقد أتي برشيد الهجري- وکان من خواصّ أصحاب عليّ عليه السلام- فقال له زياد: ما قال خليلک لک إنّا فاعلون بک؟

قال: تقطعون يديّ ورجليّ، وتصلبونني.

فقال زياد: أما واللَّه لاُکذّبنّ حديثه، خلّوا سبيله، فلمّا أراد أن يخرج قال:

ردّوه، لا نجد شيئاً أصلح ممّا قال لک صاحبک، إنّک لاتزال تبغي لنا سوءاً إن بقيت، اقطعوا يديه ورجليه. فقطعوا يديه ورجليه، وهو يتکلّم.

فقال: اصلبوه خنقاً في عنقه.

فقال رشيد: قد بقي لي عندکم شي ء ما أراکم فعلتموه.

فقال زياد: اقطعوا لسانه.

فلمّا أخرجوا لسانه ليقطع قال: نفّسوا عنّي أتکلّم کلمة واحدة.

فنفّسوا عنه، فقال: هذا واللَّه تصديق خبر أميرالمؤمنين، أخبرني بقطع لساني.

فقطعوا لسانه وصلبوه.

وروي أبوداود الطيالسي عن سليمان بن رزيق عن عبدالعزيز بن صهيب، قال: حدّثني أبوالعالية، قال: حدّثني مزرع صاحب عليّ بن أبي طالب عليه السلام أ نّه قال: ليقبلنّ جيش حتي إذا کانوا بالبيداء، خُسف بهم.

[صفحه 163]

قال أبوالعالية: فقلت له: إنّک لتحدّثني بالغيب!

فقال: احفظ ما أقوله لک، فإنّما حدّثني به الثقة عليّ بن أبي طالب.

وحدّثني أيضاً شيئاً آخر: ليؤخذنّ رجل فليقتلنّ وليصلبنّ بين شُرفتين من شُرف المسجد.

فقلت له: إنّک لتحدّثني بالغيب! فقال: احفظ ما أقول لک.

قال أبوالعالية: فواللَّه، ما أتت علينا جمعة حتي اُخذ مزرع، فقتل وصلب بين شرفتين من شرف المسجد.

قلت: حديث الخسف بالجيش قد خرّجه البخاري ومسلم في الصحيحين، عن اُمّ سلمة رضي اللَّه عنها، قالت: سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم يقول: يعوذ قوم بالبيت حتي إذا کانوا بالبيداء خسف بهم. فقلت: يا رسول اللَّه، لعلّ فيهم المکره أو الکاره، فقال: يخسف بهم، ولکن يحشرون- أو قال: يبعثون علي نيّاتهم يوم القيامة.

قال: فسئل أبوجعفر محمّد بن عليّ: أهي بيداء من الأرض؟ فقال: کَلّا واللَّه إنّها بيداء المدينة. أخرج البخاري بعضه وأخرج مسلم الباقي.

وروي محمّد بن موسي العنزي، قال: کان مالک بن ضمرة الرؤاسي من أصحاب عليّ عليه السلام، وممّن استبطن من جهته علماً کثيراً، وکان أيضاً قد صحب أباذرّ، فأخذ من علمه، وکان يقول في أيّام بني اُميّة: اللهمّ لا تجعلني أشقي الثلاثة. فيقال له: وما الثلاثة؟ فيقول: رجل يرمي من فوق طمار، ورجل تقطع يداه ورجلاه ولسانه ويصلب، ورجل يموت علي فراشه.

فکان من الناس من يهزأ به، ويقول: هذا من أکاذيب أبي تراب.

[صفحه 164]

قال: وکان الذي رمي به من طمار هانئ بن عروة، والذي قطع وصلب رشيد الهجري، ومات مالک علي فراشه.[11] .

راجع: القسم الحادي عشر.

القسم السادس/ وقعة الجمل، ووقعة صفّين، ووقعة النهروان.

القسم الثامن/ إخبار الإمام باستشهاده.

القسم الخامس عشر/ کيد أعدائه لإطفاء نوره/ إخبار الإمام عن سبّه والبراءة منه.

القسم السادس عشر/ حجر بن عدي، ورشيد الهجري، وقنبر، وکميل بن زياد، وميثم التمّار.

[صفحه 165]



صفحه 152، 153، 154، 155، 156، 157، 158، 159، 160، 161، 162، 163، 164، 165.





  1. الخَبُّ بالفتح: الخدَّاعُ (النهاية: 4:2).
  2. طَبَرِسْتان: هي البلاد المعروفة بمازندران، ومن أعيان بلدانها: استراباد وسارويه وآمل (راجع: معجم البلدان: 13:4).
  3. الطَّالَقَان: بلدتان؛ إحداهما في إيران قرب قزوين، والاُخري في أفغانستان بين مرو الروذ (ورواليز) وبلخ.
  4. أحْجَار الزَّيْت: موضع بالمدينة، وهو موضع صلاة الاستسقاء (معجم البلدان: 109:1).
  5. وَجّ: وهو الطائف (معجم البلدان: 361:5).
  6. القَيْرَوان: مدينة عظيمة في شمال إفريقية (راجع معجم البلدان: 420:4). وهي اليوم من مُدن تونس.
  7. التَّارُّ: الممتَلئ البدن (النهاية: 186:1).
  8. دَيْلَمان: من مناطق إيران القديمة الواقعة في شمال همدان.
  9. شرح نهج البلاغة: 47:7 تا 50.
  10. هود: 17.
  11. شرح نهج البلاغة: 286:2 تا 295.