الغدير والإمامة











الغدير والإمامة



إن من يراجع کتب الحديث والتاريخ، يجدها طافحة بالنصوص والآثار االثابتة، والصحيحة، الدالة علي إمامة علي أمير المؤمنين [عليه الصلاة والسلام]، ولسوف لا يبقي لديه أدني شک في أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يأل جهداً، ولم يدخر وسعاً في تأکيد

[صفحه 17]

هذا الأمر، وتثبيته، وقطع دابر مختلف التعلُّلات والمعاذير فيه، في کل زمان ومکان، وفي مختلف الظروف والأحوال، علي مر العصور والدهور.

وقد استخدم في سبيل تحقيق هذا الهدف مختلف الطرق والأساليب التعبيرية، وشتي المضامين البيانية: فعلاً وقولاً، تصريحاً، وتلويحاً، إثباتاً ونفياً، وترغيباً وترهيباً، إلي غير ذلک مما يکاد لا يمکن حصره، في تنوعه، وفي مناسباته.

وقد توجت جميع تلک الجهود المضنية، والمتواصلة باحتفال جماهيري عام نصب فيه النبي صلي الله عليه وآله رسمياً علياً [عليه السلام] في آخر حجة حجها [صلي الله عليه وآله]. وأخذ البيعة له فعلاً من عشرات الألوف من المسلمين، الذين يرون نبيهم للمرة الأخيرة.

وقد کان ذلک في منطقة يقال لها «غدير خم» واشتهرت هذه الحادثة باسم هذا المکان. وهي أشهر من أن تذکر. وقد ذکرنا موجزاً عنها في أول هذا البحث.

ولسنا هنا بصدد البحث عن وقائع ما جري، واستعراض جزئياته، ولا نريد توثيقه بالمصادر والأسانيد، ولا البحث في دلالاته ومراميه المختلفة. فقد کفانا مؤونة ذلک العلماء الأبرار،

[صفحه 18]

جزاهم الله خير جزاء وأوفاه[1] .

وإنما هدفنا هو الإلماح إلي حدث سبقه بفترة وجيزة، وهو ما حصل ـ تحديداً ـ في نفس حجة الوداع التي هي حجته الوحيدة، والتي نصب فيها النبي [صلي الله عليه وآله] علياً إماماً للأمة، وهو في طريق عودته منها إلي المدينة.

وذلک لأن التعرف علي هذا الحدث الذي سبق قضية الغدير لسوف يمکننا من أن نستوضح جانباً من المغزي العميق الذي يکمن في قوله تعالي: {وَاللّهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ}[2] ولکننا قبل ذلک، لا بد لنا من إثارة بعض النقاط المفيدة في هذا المجال فنقول:



صفحه 17، 18.





  1. راجع: کتاب الغدير للعلامة الأميني، وکتاب دلائل الصدق، والمراجعات، وغير ذلک.
  2. الآية 67 من سورة المائدة.