ما ورد في أنّه أجاب السائلين بما ينبغي أن يُجيبهم











ما ورد في أنّه أجاب السائلين بما ينبغي أن يُجيبهم



ورد في کتب الحديث والتاريخ أنّه عليه السلام حينما قال عليه السلام هذا الکلام: «سلوني قبل أن تفقدوني» سأل منه السائلون وأجابهم عليه السلام بما هو حقيق في محلّه، ونشير هنا إلي بعض إجاباته عليه السلام.

منها: رواية العلّامة التستري عن محمّد بن يوسف بن محمّد البلخي الشافعي في کتابه (التلخيص): وروي عن عليّ عليه السلام أنّه قال في مجلسه العامّ: «سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن علم السماء فإنّي أعلمها زقاقاً زقاقاً، وملکاً ملکاً».

فقال رجل من الحاضرين: حيث ادّعيت ذلک يابن أبي طالب، أين جبرئيل هذه الساعة؟ فغطس قليلاً وتفکّر في الأسرار، ثمّ رفع رأسه قائلاً: «إنّي طفت السماوات السبع فلم أجد جبرئيل، وأظنّه أنت أيّها السائل».

فقال السائل: بخ بخ، من مثلک يابن أبي طالب وربّک يباهي بک الملائکة؟[1] .

منها: رواية العلّامة الاميني في «الغدير» عن أبي إسحاق الثعلبي في کتابه العرائس في قصّة طويلة: لمّا ولي أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب الخلافة أتاه قوم من أحبار اليهود، فقالؤ: يا عمر، أنتَ وليّ الأمر بعد محمّد صلي الله عليه و آله، وصاحبه، وإنّا نريد أن نسألک عن خصال إن أخبرتنا بها علمنا أنّ الإسلام حقّ، وأنّ محمّداً کان نبيّاً، وإن لم تخبرنا به علمنا أنّ الإسلام باطل، وأنّ محمّداً لم يکن نبيّاً. فقال: سلوا عمّا بدا لکم.

قالوا: أخبرنا عن أقفال السموات، ما هي؟ وأخبرنا عن مفاتيح السماوات ما هي؟ و أخبرنا عن قبر سائر بصاحبه، ما هو؟ وأخبرنا عمّن أنذر قومه، لا هو من الجنّ ولا هو من الإنس؟ وأخبرنا عن خمسة أشياء مشوا علي وجه الأرض لم يُخلقوا في الأرحام؟ وأخبرنا ما يقول الدرّاج في صياحه؟ وما يقول الديک في صراخه؟ وما يقول الفرس في صهيله؟ وما يقول الضفدع في نقيقه؟ وما يقول الحمار في نهيقه؟ وما يقول القنبر في صفيره؟

قال: فنکس عمر رأسه في الأرض، ثمّ قال: لا عيب بعمر إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول: لا أعلم، وأن يسأل عمّا لا يعلم. فوثبت اليهود، وقالوا: نشهد أنّ محمّداً لم يکن نبيّاً، وأنّ الإسلام باطل.

فوثب سلمان الفارسي وقال لليهود: قفوا قليلاً، ثمّ توجّه نحو عليّ بن أبي طالب عليه السلام حتّي دخل عليه فقال: يا أبا الحسن، أغث الإسلام، فقال عليه السلام: «ما ذاک؟»، فأخبره الخبر، فأقبل يرفل في بردة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فلمّا نظر إليه عمر، وثب قائماً فاعتنقه، وقال: يا أبا الحسن، أنت لکلّ معضلة وشدّة تدعي، فدعا عليّ عليه السلام اليهود فقال: «سلوا عمّا بدا لکم، فإنّ النبيّ صلي الله عليه و آله علّمني ألف باب من العلم، فتشعّب لي من کلّ باب ألف باب»، فسألوه عنها.

فقال عليّ عليه السلام: «إنّ لي عليکم شريطة إذا أخبرتکم کما في توراتکم دخلتم في ديننا وآمنتم»، فقالوا: نعم.

فقال: «سلوا عن خصلة خصلة؟»، قالوا: أخبرنا عن أقفال السموات، ما هي؟ قال: أقفال السموات الشرک باللَّه؛ لأنّ العبد والأمة إذا کانا مشرکين لم يرتفع لهما عمل».

قالوا: فاخبرنا عن مفاتيح السموات، ما هي؟ قال: «شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمّداً عبدهُ ورسولهُ»، فجعل بعضهم ينظر إلي بعض ويقولون: صدق الفتي.

قالوا: فأخبرنا عن قبر سار بصاحبه؟ فقال: «ذلک الحوت الّذي التقم يونس بن متي، فسار به في البحار السبع».

فقالوا: أخبرنا عمّن أنذر قومه، لا هو من الجنّ ولا هو من الإنس؟ قال: «هي نملة سليمان بن داود، قالت: «يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاکِنَکُمْ لَا يَحْطِمَنَّکُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ».[2] .

قالوا: فأخبرنا عن خمسة مشوا علي الأرض ولم يُخلقوا في الأرحام؟ قال: «ذلکم: آدم، وحوّاء، وناقة صالح، وکبش إبراهيم، وعصي موسي».

قالوا: فأخبرنا ما يقول الدرّاج في صياحه؟ قال: «يقول: الرّحمن علي العرش استوي».

قالوا: فأخبرنا ما يقول الديک في صراخه؟ قال: «يقول: اذکروا اللَّه يا غافلين».

قالوا: أخبرنا ما يقول الفرس في صهيله؟ قال: «يقول: إذا مشي المؤمنون إلي الکافرين إلي الجهاد: اللّهمّ انصر عبادک المؤمنين علي الکافرين».

قالوا: فأخبرنا ما يقول الحمار في نهيقه؟ قال: «يقول: لعن اللَّه العشّار، وينهق في أعين الشياطين».

قالوا: فأخبرنا ما يقول الضفدع في نقيقه؟ قال: «يقول: سبحان ربّي المعبود المسبّح لي جج البحار».

قالوا: فأخبرنا ما يقول القنبر في صفيره؟ قال: «يقول اللّهمّ العن مبغضي محمّدٍ وآل محمّد».

وکان اليهود ثلاثة نفر، قال اثنان منهم: نشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمّداً رسولُ اللَّه، ووثب الحبر الثالث فقال: يا عليّ، لقد وقع في قلوب أصحابي ما وقع من الإيمان والتصديق، وقد بقيت خصلة واحدة أسألک عنها. فقال: «سل عمّا بدا لک»، فقال: أخبرني عن قوم في أوّل الزمان ماتوا ثلاثمائة وتسع سنين، ثمّ أحياهم اللَّه، فما کان من قصّتهم؟ قال عليّ عليه السلام: «يا يهودي، هؤلاء أصحاب [ الکهف]، وقد أنزل اللَّه علي نبيّنا قرآناً فيه قصّتهم، وإن شئت قرأتُ عليک قصّتهم».

فقال اليهودي: ما أکثر ما قد سمعنا قراءتکم، إن کنت عالماً فأخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وأسماء مدينتهم واسم ملکهم واسم کلبهم واسم جبلهم، واسم کهفهم، وقصّتهم من أوّلها إلي آخرها، فاحتبي عليّ ببردة رسول اللَّه، ثمّ حدّثه عليه السلام بقصّة أصحاب الکهف من أوّلها إيل آخرها مع ذکر أسمائهم وأسماء آبائهم واسم مدينتهم واسم ملکهم واسم کلبهم واسم جبلهم واسم کهفهم.

ثمّ توجّه عليّ عليه السلام إلي اليهودي، فقال: «سألتک باللَّه - يا يهودي - أوافق هذا ما في توراتکم؟». فقال اليهودي: ما زدتَ حرفاً ولا نقصتَ حرفاً - يا أبا الحسن - لا تسمّني يهوديّاً، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمّداً عبدهُ ورسولهُ، وإنّک أعلم هذه الاُمّة.[3] .

منها: عن الجويني: بسنده عن وهب بن عبداللَّه، عن أبي الطفيل، قال: شهدت عليّاً عليه السلام وهو يخطب ويقول: «سلوني، فواللَّه، لا تسألوني عن شي ء يکون إلي يوم القيامة إلّا حدّثتُکم به! وسلوني عن کتاب اللَّه عزّ وجلّ، ما منه آية إلّا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم بسهل نزلت أم في جبل».

قال أبو الطفيل: فقال ابن الکوّاء - وأنا بينه وبين عليّ عليه السلام، وهو خلفي -: فما «وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً × فَالْحامِلَاتِ وِقْراً × فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً × فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً»؟[4] فقال: «ويلک سل تفّقهاً ولا تسأل تعنّتاً، سل عمّا يعنيک ودع ما لا يعنيک».

قال: فواللَّه، إنّ هذا ليعنيني، قال: «الذاريات ذرواً: الرياح، والحاملات وقراً: السحاب، والجاريات يسراً: السنن، والمقسّمات أمراً: الملائکة».

قال: أفرأيت السواد الّذي في القمر، ما هو؟ قال: «أعمي سأل عن عمياء، أما سمعت اللَّه عزّ وجلّ يقول: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ» الآية[5] فذلک محوه، والسواد الّذي فيه».

قال: أفرأيت ذا القرنين أنبيّاً کان أم ملکاً؟ قال: «ولا واحداً منهما، ولکنّه کان عبداً صالحاً أحبّ اللَّه فأحبّه اللَّه، وناصح اللَّه فناصحه اللَّه، دعا قومه إلي الهُدي فضربوه علي قرنه، فمکث ما شاء اللَّه، ثمّ دعاهم إلي الهُدي فضربوه علي قرنه الآخر، ولم يکن له قرنان کقرن الثور».

قال: أفرأيت هذا القوس، ما هو؟ قال: «علامة کانت بين نوح النبيّ وبين ربّه أمان من الغرق».

قال: أفرأيت البيت المعمور، ما هو؟ قال: «ذاک الضراح فوق سبع سموات تحت العرش، يدخله کلّ يوم سبعون ألف ملک لا يعودون فيه إلي يوم القيامة».

قال: فمن «الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ»؟[6] قال: «الأفجران من قريش: بنو اُميّة وبنو مخزوم، وقد کفيتهم يوم بدر».

قال: فمن «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»؟[7] قال: «کان أهل حروراء».[8] .

منها: عن (أمالي الشيخ الصدوق): بسنده عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام يخطب النّاس، وهو يقول: «سلوني قبل أن تفقدوني، فواللَّه، لا تسألوني عن شي ء يکون إلّا نبّأتکم به»، فقام إليه سعد بن أبي وقّاص، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني کم في رأسي ولحيتي من شعرة؟ فقال له: «أما واللَّه لقد سألتني عن مسألة حدّثني خليلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أنّک ستسألني عنها، وما في رأسک ولحيتک من شعرة إلّا وفي أصلها شيطان جالس، وأنّ في بيتک لسخلاً يقتل الحسين ابني»، وعمر بن سعد يومئذٍ يدرج بين يديه.[9] .

منها: عن العلّامة الخوئي في شرحه لنهج البلاغة، بعد الخطبة الثانية والتسعين، قال: اعلم أنّ هذه الخطبة الشريفة ملتقطة من خطبة طويلة، ثمّ نقل الخطبة وروايات في ذيلها، ونحن نذکر محلّ الشاهد من الخطبة مع نقل ما جاء في ذيلها:

قال عليّ عليه السلام: «سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عمّا شئتم، سلوني قبل أن تفقدوني، إنّي ميّت أو مقتول بلي قتل، ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم - وضرب بيده إلي لحيته - والّذي نفسي بيده، لا تسألوني عن شي ء فيما بينکم وبين الساعة ولا عن فئة تضلّ مائة أو تهدي مائة إلّا نبّأتکم بناعقها وسائقها». فقام إليه رجلٌ فقال: حدّثنا - يا أمير المؤمنين - عن البلاء. قال عليه السلام: «إنّکم في زمان إذا سأل سائل فليعقل، وإذا سئل مسؤول فليثبت، ألا وإنّ من ورائکم اُموراً أتتکم جللاً[10] مزوجاً[11] و بلاءً مکلحاً[12] والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، إن لو فقدتموني ونزلت بکم کرائه الاُمور وحقائق البلاء، لقد أطرق کثير من السائلين، وفشل کثير من المسؤولين، وذلک إذا قلصت حربکم، وشمّرت عن ساق، وکانت الدنيا بلاءً عليکم وعلي أهل بيتي حتّي يفتح اللَّه لبقيّة الأبرار، فانصروا أقواماً کانوا أصحاب رايات يوم بدر ويوم حنين تُنصروا وتؤجروا، ولا تسبقوهم فتصرعکم البليّة».

فقام إليه رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين، حدّثنا عن الفتن.

قال: «إنّ الفتنة إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت أسفرت، يشبهن مقبلات، ويعرفن مدبرات. إنّ الفتن تحوم کالرياح يصبن بلداً ويخطين اُخري، ألا إنّ أخوف الفتن عندي عليکم فتنة بني اُميّة، إنّها فتنة عمياء مظلمة مطينة[13] عمّت فتنتها، وخصّت بليّتها، وأصاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها، يظهر أهل باطلها علي أهل حقّها حتّي يملأ الأرض عدواناً وبدعاً، وإنّ أوّل من يضع جبروتها، ويکسر عمدها، وينزع أوتادها اللَّه ربّ العالمين.

وأيمُ اللَّه لتجدنّ بني اُميّة أرباب سوء لکم بعدي، کالناب الضروس تعضّ بفيها، وتخبط بيديها، وتضرب برجليها، وتمنع درّها، لا يزالون بکم حتّي لا يترکوا في مصرکم إلّا تابعاً لهم أو غير ضارّ، ولا يزال بلاؤُهم بکم حتّي لا يکون انتصار أحدکم منهم إلّا مثل انتصار العبد من ربّه، إذا رآه أطاعه، وإذا تواري عنه شتمه.

وأيمُ اللَّه، لو فرّقوکم تحت کلّ حجر لجمعکم اللَّه شرّ يوم لهم، ألا إنّ من بعدي جُمّاع[14] شتّي، ألا إنّ قبلتکم واحدة، وحجّکم واحد، وعمرتکم واحدة، والقلوب مختلفة»، ثمّ أدخل أصابعه بعضها في بعض، فقام رجل فقال: ما هذا، يا أمير المؤمنين؟

قال عليه السلام: «هذا هکذا يقتل هذا هذا، ويقتل هذا هذا قطعاً جاهليّة ليس فيها هدي ولا علم يري. نحن أهل البيت منها بنجاة ولسنا فيها بدعاة».

فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، ما نصنع في ذلک الزمان؟ قال عليه السلام: «انظروا أهل بيت نبيّکم، فإن لبدوا فالبدوا[15] وإن استصرخوکم فانصروهم تؤجروا، ولا تسبقوهم فتصرعکم البليّة».

فقام رجل آخر، فقال: ثمّ ما يکون بعد هذا، يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: «ثمّ إنّ اللَّه يفرّج الفتن برجل منّا أهل البيت، کتفريج الأديم، بأبي ابن خيرة[16] الإماء، يسومهم خسفاً، ويسقيهم بکأس مصبّرة، ولا يعطيهم إلّا السيف هرجاً هرجاً[17] يضع السيف علي عاتقه ثمانية أشهر، ودّت قريش عند ذلک بالدنيا وما فيها لو يروني مقاماً واحداً قدر حلب شاة أو جزر جزور لأقبل منهم بعض الّذي يردّ عليهم حتّي تقول قريش: لو کان هذا من ولد فاطمة لرحمنا، فيغريه اللَّه ببني اُميّة فجعلهم «مَّلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً × سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً».[18] [19] .

منها: ما في (صحيفة الإمام الرضا عليه السلام): بإسناده، قال: «حدّثني أبي، عن الحسين بن عليّ عليهماالسلام: أنّ يهوديّاً سأل عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقال: أخبرني عمّا ليس للَّه، وعمّا ليس عند اللَّه، وعمّا لا يعلمه اللَّه تعالي؟ فقال عليّ عليه السلام: «أما ما لا يعلمه اللَّه فذلک قولکم يا معشر اليهود: إنّ عزيراً ابن اللَّهِ، واللَّه لا يعلم أنّ له ولداً، وأمّا ما ليس عند اللَّه، فليس عند اللَّه ظلم العباد، وأمّا ما ليس للَّه فليس للَّه شريک».

قال اليهودي: فأنا أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه.[20] .

منها: رواية الصدوق عن سعد بن طريف الکناني، عن الأصبغ بن نباتة، قال: لمّا جلس عليّ عليه السلام في الخلافة وبايعه النّاس، خرج إلي المسجد متعمّماً بعمامة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، لا بساً بردة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، متنعّلاً نعل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، متقلّداً سيف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فصعد المنبر، فجلس عليه السلام متحنّکاً، ثمّ شبّک بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه، ثمّ قال: «يا معشر النّاس، سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سَفَط[21] العلم، هذا لعاب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، هذا ما زقّني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله زقّاً زقّاً، سلوني فإنّ عندي علم الأوّلين والآخرين. أما واللَّه لو ثنيت لي وسادةٌ، فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم، حتّي تنطق التوراة فتقول: صدق عليّ ما کذب، لقد أفتاکم بما أنزل اللَّه فيَّ، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم، حتّي ينطق الإنجيل فيقول: صدق عليّ ما کذب، لقد أفتاکم بما أنزل اللَّه فيَّ، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم، حتّي ينطق القرآن فيقول: صدق عليّ ما کذب، لقد أفتاکم بما أنزل اللَّه فيَّ، وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً، فهل فيکم أحد يعلم ما أنزل فيه؟

ولولا آية في کتاب اللَّه لأخبرتکم بما کان، وما يکون، وما هو کائن إلي يوم القيامة، وهي هذه الآية: «يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْکِتَابِ».[22] .

ثمّ قال عليه السلام: «سلوني قبل أن تفقدوني، فوالّذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل اُنزلت أو في نهار اُنزلت، مکّيّها ومدنيّها، سفريها وحضريها، ناسخها ومنسوخها، محکمها ومتشابهها، تأويلها وتنزيلها، إلّا أخبرتُکُم».

فقام إليه رجل يقال له ذعلب، وکان ذرب[23] اللسان، بليغاً في الخطب، شجاع القلب، فقال: لقد ارتقي ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلنّه اليوم لکم في مسألتي إيّاه، فقال: يا أمير المؤمنين، هل رأيت ربّک؟ قال: «ويلک - يا ذعلب - لم أکن بالذي أعبد ربّاً لم أره»، قال: فکيف رأيته، صفه لنا؟ قال: «ويلک، لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولکن رأته القلوب بحقائق الإيمان.

ويلک - يا ذعلب - إنّ ربّي لا يوصف بالبعد ولا بالحرکة، ولا بالسکون ولا بقيام قيام انتصاب، ولا بجيئة ولا ذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف بالطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظيم، کبير الکبرياء لا يوصف بالکبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقّة.

مؤمن لا بعبادة، مدرک لا بمحسّة، قائل لا بلفظ، هو في الأشياء علي غير ممازجة، خارج منها علي غير مباينة، فوق کلّ شي ء ولا يقال: شي ء فوقه. أمام کلّ شي ء فلا يقال: له أمام، داخل في الأشياء، لا کشي ء في شي ء داخل، وخارج منها لا کشي ء من شي ء خارج».

فخرّ ذعلب مغشيّاً عليه، ثمّ قال: تاللَّه، ما سمعت بمثل هذا الجواب، واللَّه لا عُدتُ إلي مثلها.

ثمّ قال عليه السلام: «سلوني قبل أن تفقدوني». فقام إليه الأشعث بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين، کيف تؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم کتاب، ولم يبعث إليهم نبيّ؟

قال: «بلي يا أشعث، قد أنزل اللَّه عليهم کتاباً، وبعث إليهم نبيّاً، وکان لهم ملک سکر ذات ليلة، فدعا بابنته إلي فراشه، فارتکبها، فلمّا أصبح تسامع به قومه، فاجتمعوا إلي بابه، فقالوا: أيّها الملک، دنّستَ علينا ديننا وأهلکته، فاخرج نطهّرک ونقيم عليک الحدّ، فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا کلامي، فإن يکن لي مخرج ممّا ارتکبت وإلّا فشأنکم. فاجتمعوا، فقال لهم: هل علمتم أنّ اللَّه لم يخلق خلقاً أکرم عليه من أبينا آدم واُمّنا حوّاء؟ قالوا: صدقت أيّها الملک. قال: أفليس قد زوّج بنيه بناته، وبناته من بنيه؟ قالوا: صدقت هذا هو الدين، فتعاقدوا علي ذلک، فمحا اللَّه ما في صدورهم من العلم، ورفع عنهم الکتاب، فهم الکفرة يدخلون النّار بلا حساب، والمنافقون أشدّ حالاً منهم».

فقال الأشعث: واللَّه، ما سمعت مثل هذا الجواب، واللَّه لا عُدْتُ إلي مثلها أبداً.

ثمّ قال: «سلوني قبل أن تفقدوني»، فقام إليه رجل من أقصي المسجد متوکّئاً علي عصاه، فلم يزل يتخطّي الناس حتّي دنا منه، فقال: يا أمير المؤمنين، دلّني علي عمل إذا أنا عملته نجّاني اللَّه من النّار؟

فقال له: «اسمع - يا هذا - ثمّ افهم، ثمّ استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغنيّ لا يبخل بماله علي أهل دين اللَّه، وبفقير صابر، فإذا کتم العالم علمَه، وبخل الغنيّ، ولم يصبر الفقير فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون باللَّه أنّ الدار قد رجعت إلي بدئها»، أي إلي الکفر بعد الإيمان.

«أيّها السائل، فلا تغترنّ بکثرة المساجد، وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتّي، إنّما النّاس ثلاثة: زاهد، وراغب، وصابر. فأمّا الزاهد: فلا يفرح بشي ء من الدنيا أتاه، ولا يحزن منها علي شي ء منها فاته. وأمّا الصابر: فيتمنّاها بقلبه، فإن أدرک منها شيئاً صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها. وأمّا الراغب: فلا يبالي من حلّ أصابها أم من حرام».

قال: يا أمير المؤمنين، فما علامة المؤمن في ذلک الزمان؟

قال: «ينظر إلي ما أوجب اللَّه عليه من حقّ فيتولّاه، وينظر إلي ما خالفه فيتبرّأ منه، وإن کان حبيباً قريباً».

قال: صدقت واللَّه يا أمير المؤمنين، ثمّ غاب الرجل، فلم نره، وطلبه النّاس فلم يجدوه، فتبسّم عليّ عليه السلام علي المنبر، ثمّ قال: «ما لکم؟ هذا أخي الخضر» إلي آخر الحديث.[24] .







  1. الإحقاق 621:7.
  2. سورة النمل: 18.
  3. الغدير 148:6.
  4. سورة الذاريات: 4 - 1.
  5. سورة الإسراء: 12.
  6. سورة إبراهيم: 28.
  7. سورة الکهف: 104.
  8. فرائد السمطين 394:1، ح 331، وأهل حروراء: خوارج النهروان.
  9. أمالي الصدوق - المجلس الثامن والعشرون: ح 1.
  10. الجلل - بالضمّ -: جمع جليّ، وهو الأمر العظيم.
  11. کذا، والظاهر الصحيح بالمهملة (مروجاً) من راجت الريح: اختلطت ولا يدري من أين تجيئ، ويمکن تصحيحه بجعله من زاج بينهم يزوج زوجاً: إذا أفسد بينهم وحرش.
  12. کلح کلوحاً: تکشّر في عبوس، ودهر کالح: شديد.
  13. طان» الرجل البيت والسطح بطينه: طلاه بالطين، وطيّنه بالتثقيل: مبالغة وتکثير، والمطينة فاعل منه.
  14. جُمّاع النّاس: أخلاطهم من قبائل شتّي، ومن کلّ شي ء مجتمع أصله، وکلّ ما تجمّع وانضمّ بعضه إلي بعض.
  15. لبد بالمکان: أقام ولزق.
  16. هذه إشارة إلي إمام الزمان الغائب المنتظر (عج).
  17. هرج النّاس يهرجون: وقعوا في فتنة واختلاط وقتل.
  18. سورة الأحزاب: 60 و 61.
  19. شرح الخوئي لنهج البلاغة 93:7.
  20. صحيفة الإمام الرضا عليه السلام: 259، طبع مدرسة الإمام المهدي (عج).
  21. السَّفَط: الوعاء.
  22. سورة الرعد: 39.
  23. ذرب اللسان: أي فيه حدّة.
  24. أمالي الصدوق - المجلس 55: ح 1.