كلمات العلماء في هذا الباب











کلمات العلماء في هذا الباب



ونشير هنا إلي جانب من الروايات الواردة عن النبيّ صلي الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام، وأقوال علماء الشيعة والسنّة في هذا الباب، وقبل ذکر تلک الروايات نذکر قول بعض المخالفين في علمه عليه السلام.

کلمة من المخالفين في علمه عليه السلام:

منها: عن ابن أبي الحديد المعتزلي، أنّه قال: وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يکمن جحد مناقبه، ولا کتمان فضائله، فقد علمت أنّه استولي بنو اُميّة علي سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بکلّ حيلة في إطفاء نوره، والتحريض عليه، ووضع المعايب والمثالب له، ولعنوه علي جميع المنابر، وتوعّدوا مادحيه، بل حبسوهم وقتلوهم ومنعوا من رواية حديث يتضمّن له فضيلة، أو يرفع له ذِکراً، حظروا أن يسمّي أحدٌ باسمه، فما زاده ذلک إلّا رفعةً وسُموّاً، وکان کالمسک، کلّما ستر انتشر عرفه، وکلّما کتم تضوَّع نشره، وکالشمس لا تستر بالراح، وکضوءِ النهار إن حُجبت عنه عين واحدة أدرکته عيون کثيرة.

ثمّ قال: وما أقول في رجل تُعزي إليه کلّ فضيلة، وتنتهي إليه کلّ فرقة، وتتجاذبه کلّ طائفة، فهو عليه السلام رئيس الفضائل وينبوعها وأبو عُذرها، وسابق مضمارها، ومُجلّي حَلبتها، کلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ، وله اقتفي، وعلي مثاله احتذي.

ثمّ إنّ ابن أبي الحديد ذکر أقسام العلوم، وذکر في کلّ قسم منها أنّ عليّاً عليه السلام رئيسه، وأنّ ذلک العلم ينتهي إليه، فقال ما ملخّصه:

وقد عرفت أنّ أشرف العلوم هو العلم الإلهي؛ لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم، ومعلومه أشرف الموجودات، فکان هو أشرف العلوم، ومن کلامه عليه السلام، والأشعريّة ينتهون بالتالي إلي اُستاذ المعتزلة ومُعلّمهم، وهو عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأمّا الإماميّة والزيديّة فانتماؤهم إليه ظاهر.

ومن العلوم: علم الفقه، وهو عليه السلام أصله وأساسه، وکلّ فقيه في الإسلام فهو عيال عليه، ومستفيد من فقهه، فرجع إليه الفقهاء الأربعة، واستفادوا من علمه عليه السلام، وأمّا رجوع فقهاء الشيعة کلّهم إليه عليه السلام ظاهر، وأمّا فقهاء الصحابة فعمر بن الخطّاب وابن عبّاس أخذا فقههما عن عليّ عليه السلام.

أمّا ابن عبّاس فظاهر، وأمّا عمر فقد عرف کلّ أحد رجوعه إليه في کثير من المسائل الّتي أشکلت عليه وعلي غيره من الصحابة، وقوله غير مرّة: لولا عليّ لهلک عمر، وقوله أيضاً: لا بقيتُ لِمعضلةٍ ليس لها أبو الحسن، فقد عرف بهذا الوجه أيضاً انتهاء الفقه إليه عليه السلام. وقد روت العامّة والخاصّة قوله صلي الله عليه و آله: «أقضاکم عليّ»، والقضاء هو الفقه، فهو إذن أفقههم.

ثمّ قال ابن أبي الحديد: ومن العلوم: علم تفسير القرآن، وعنه اُخذ ومنه فرّع، وإذا رجعت إلي کتب التفسير علمتَ صحّة ذلک؛ لأنّ أکثره عنه عليه السلام وعن عبداللَّه بن عبّاس، وقد علم النّاس حال عبداللَّه بن عبّاس في ملازمته له عليه السلام وانقطاعه إليه، وأنّه تلميذه وخرّيجه، وقيل له: أين علمک من علم ابن عمّک؟ فقال (ابن عبّاس): کنسبة قطرة من المطر إلي البحر المحيط.[1] .

ومن العلوم: علم الطريقة والحقيقة، وقد عرفت أنّ أرباب هذا الفنّ في جميع بلاد الإسلام ينتهون وعنده يقفون، وقد صرّح بذلک الشبلي والجُنيد وسري (بن المغلّس السقطي) وأبو يزيد البسطامي و...

ومن العلوم: علم النحو والعربيّة، وقد علم النّاس کافّة أنّه هو الّذي ابتدعه وأنشأه، وأملي علي أبي الأسود الدؤلي جوامعَه واُصوله، من جملتها: الکلام کلّه ثلاثة أشياء: اسمٌ، وفعلٌ، وحرفٌ، ومن جملتها: تقسيم الکلمة إلي معرفة ونکرة، وتقسيم وجوه الاعراب إلي الرفع والنصب والجرّ والجزم، وهذا يکاد يُلحق بالمعجزات؛ لأنّ القوّة البشريّة لا تفي بهذا الحصر ولا تنهض بهذا الاستنباط، انتهي.[2] .

منها: ما نقله المفيد عن أبي الزعراء، عن عبداللَّه بن مسعود أنّه قال: علماء الأرض ثلاثة: عالمٌ بالشام، وعالمٌ بالحجاز، وعالمٌ بالعراق، أمّا عالمُ الشام فأبو الدرداء، وأمّا عالمُ الحجاز فهو عليّ عليه السلام، وأمّا عالمُ العراق فأخ لکم بالکوفة، وعالم الشام وعالم العراق محتاجان إلي عالم الحجاز (يعني عليّاً عليه السلام)، وعالم الحجاز لا يحتاج إليهما.[3] .

منها: عن (تاريخ دمشق): بسنده عن مسروق، قال: انتهي العلم إلي ثلاثة: عالم بالمدينة، وعالم بالشام، وعالم بالعراق، فعالم المدينة عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وعالم الکوفة عبداللَّه بن مسعود، وعالم الشام أبو الدرداء، فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة، وهو لم يسألهما.[4] .

منها: ما رواه البحار عن أحمد بن حنبل أنّه قال: ما جاء من أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله من الفضائل ما جاء لعليّ عليه السلام.[5] .







  1. فقد ورد في الحديث في تفسير النقّاش: قال ابن عبّاس: عليّ عليه السلام علم علماً علّمه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله علّمه اللَّه، فعلم النبيّ صلي الله عليه و آله من علم اللَّه، وعلم عليّ عليه السلام من علم النبيّ صلي الله عليه و آله، وعلمي من علم عليّ عليه السلام، وما علمي وعلم أصحاب محمّد صلي الله عليه و آله في علم عليّ عليه السلام إلّا کقطرة في سبعة أبحرٍ. البحار 147:40، والفتوحات الإسلاميّة: ج2، نقلاً عن الغدير 44:2.
  2. شرح ابن أبي الحديد 20 - 16: 1.
  3. البحار 118:40.
  4. تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 51:3، ح 1086.
  5. البحار 147: 40.