ذكر فضائل ميثم التمّار ومقتله











ذکر فضائل ميثم التمّار ومقتله



نذکر هنا فضائل بعض أصحابه عليه السلام وخواصّه إظهاراً لمقام عليّ عليه السلام کما يصفه هؤلاء الصحابة وتکميلاً للفائدة والبحث، ومن الصحابة ميثم التمّار، وکان من خواصّ أصحابه عليه السلام وصاحب أسراره وما لا يحتمله إلّا ملک مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو مؤمن امتحن اللَّه قلبه للإيمان.

روي أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي الکوفيّ في (الغارات) عن أحمد بن الحسن الميثمي، قال: کان ميثم التمّار مولي عليّ عليه السلام عبداً لامرأة من بني أسد، فاشتراه عليّ عليه السلام وأعتقه، وقال له: «ما اسمک؟»، قال: سالم، فقال: «إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أخبرني أنّ اسمک الّذي سمّاک به أبوک في العجم ميثم»، فقال: صدق اللَّه ورسوله، وصدقت يا أمير المؤمنين، فهو واللَّه اسمي، قال: «فارجع إلي اسمک ودع سالماً، فنحن نکنّيک به»، فکنّاه أبا سالم.[1] .

قال: وقد کان أطلعه عليّ ءعليه السلام علي علم کثير وأسرار خفيّة من أسرار الوصيّة، فکان ميثم يحدّث ببعض ذلک، فيشکّ فيه قوم من أهل الکوفة وينسبون عليّاً عليه السلام في ذلک إلي المخرفة والإيهام والتدليس حتّي قال له يوماً بمحضر من خلق کثير من أصحابه وفيهم الشاکّ والمخلص: «يا ميثم، إنّک تؤخذ بعدي وتصلب، فإذا کان اليوم الثاني ابتدر منخراک وفمک دماً حتّي يخضب لحيتک، فإذا کان اليوم الثالث طعنت بحربةٍ تقضي عليک، فانتظر ذلک، والموضع الّذي تصلب فيه علي باب دار عمرو بن حريث، إنّک لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهرة - يعني الأرض - ولأرينّک النخلة الّتي تصلب علي جذعها»، ثمّ أراه إيّاها بعد ذلک بيومين، وکان ميثم التمّار يأتيها فيصلّي عندها ويقول: بورکت من نخلة لک خلقتُ ولي نبتِّ، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل عليّ حتّي قطعت، فکان يرصد جذعها ويتعاهده ويتردّد إليه ويبصره، وکان يلقي عمرو بن حريث فيقول له: إنّي مجاورک فأحسن جواري، فلا يعلم عمرو ما يُريد، فيقول له: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أم دار ابن حکيم؟ قال: وحجّ في السنة الّتي قتل فيها، فدخل علي اُمّ سلمة (رضي اللَّه عنها) فقالت له: مَن أنت؟ قال: عراقي، فاستنسبته فذکر لها أنّه مولي عليّ بن أبي طالب، فقالت: أنت ميثم؟ قال: بلي أنا ميثم، فقالت: سبحان اللَّه، واللَّه لربّما سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوصي بک عَليّاً في جوف الليل، فسألها عن الحسين بن عليّ عليه السلام، فقالت: هو في حائط له.

قال: أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء اللَّه، ولا أقدر اليوم علي لقائه واُريد الرجوع، فدعت بطيب فطيّب لحيته، فقال لها: أما إنّها ستخضب بدم، فقالت: من أنبأک هذا؟ قال: أنبأني سيّدي، فبکت اُمّ سلمة وقالت له: إنّه ليس بسيّدک وحدک، وهو سيّدي وسيّد المسلمين، ثمّ ودّعته، فقدم الکوفة فاُخذ واُدخل علي عبيداللَّه بن زياد، وقيل له: هذا کان من آثر النّاس عند أبي تراب، قال: وَيْحکُم هذا الأعجمي؟ قالوا: نعم، فقال له عبيداللَّه: أين ربّک؟ قال: بالمرصاد (لکل ظالم و أنت أحد الظلمه)، قال: قد بلغني اختصاص أبي تراب لک؟ قال: قد کان بعض ذلک، فما تريد، قال: وإنّه ليقال: إنّه قد أخبرک بما سيلقاک؟ قال: نعم إنّه أخبرني، قال: ما الّذي أخبرک إنّي صانعٌ بک؟ قال: أخبرني إنّک تصلبني عاشر عشرة وأنا أقصرهم خشبةً، وأقربهم من المطهرة، قال: لاُخالفنّه، قال: ويحک کيف تخالفه، إنّما أخبر عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وأخبر رسول اللَّه عن جبرائيل، وأخبر جبرائيل عن اللَّه، فکيف تخالف هؤلاء؟ أما واللَّه لقد عرفتُ الموضع الّذي اُصلب فيه أين هو من الکوفة، وإنّي لأوّل خَلقِ اللَّه اُلجم في الإسلام بلجام کما تلجم الخيل، فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيدٍ الثقفي.

فقال ميثم للمختار، وهما في حبس ابن زياد: إنّک تُفِلت وتخرج ثائراً بدم الحسين عليه السلام فتقتل هذا الجبّار الّذي نحن في حبسه، وتطأ بقدمک هذا علي جبهته وخدّيه، فلمّا دعا عبيد اللَّه بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بکتاب يزيد بن معاوية إلي عبيداللَّه بن زياد يأمره بتخلية سبيله، وذاک أنّ اُخته کانت تحت عبداللَّه بن عمر بن الخطّاب، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلي يزيد، فشفع فأمضي شفاعته، وکتب بتخلية سبيل المختار علي البريد، فوافي البريد وقد اُخرج ليضرب عنقه فاُطلق. وأمّا ميثم فاُخرج بعده ليصلب، وقال عبيداللَّه: لأمضين حکم أبي تراب فيه، فلقيه رجل فقال له: ما کان أغناک عن هذا يا ميثم، فتبسّم وقال (و هو يُؤمي إلي النخلة): لها خُلقت ولي غذّيت، فلمّا رفع الخشبة، اجتمع النّاس حوله علي باب عمرو بن حريث، فقال عمرو: لقد کان يقول لي: إنّي مجاورک، فکان يأمر جاريته کلّ عشيّة أن تکنس تحت خشبته وترشّه، وتجمّر بالمجمر تحته، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم ومخازي بني اُميّة وهو مصلوبٌ علي الخشبة، فقيل لابن زياد: قد فضحکم هذا العبد، فقال: ألجموه، فاُلجم فکان أوّل خلق اللَّه اُلجم في الإسلام، فلمّا کان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دماً، فلمّا کان في اليوم الثالث طُعن بحربة (فکبّر) فمات، وکان قتل ميثم قبل قدوم الحسين عليه السلام العراق بعشرة أيّام.[2] .







  1. روي الراوندي الحديث إلي هنا في الخرائج والجرائح 203:1.
  2. الغارات 797:2، و ما بين المعقوفين من الإرشاد 323:1، راجع مستدرک سفينة البحار 326:9، مادة «ميثم»، والبحار 124:42 و 343:41.