ضرار يصف عليّاًعند معاوية











ضرار يصف عليّاًعند معاوية



من أخبث مکائد معاوية بعد تسلّطه علي الکوفة وسيطرته علي أصحاب أمير المؤمنين أن يجلبهم إلي الشام بشتّي الوسائل من دعوة وُدِّيَّة، أو هربٍ من ظلم عمّاله، أو تهديد، أو غير ذلک من الوسائل، ثمّ يحضرهم في محفله الغاصّ بالرجال، يسألهم عن وصف عليّ عليه السلام حتّي يذکروا له عيباً بحضرة النّاس، ويتّهموه فيستفيد من کلامهم لتأييد سياسته، وممّن وقع في حبالته ضرار بن ضمرة، وکان من خواصّ عليّ عليه السلام ومن أهل الزهد والعبادة، فأمره بوصف عليّ عليه السلام، وقد وصفه ضرار بهذا الوصف البالغ في الخطورة من نواحٍ شتّي، حيث قال علي ما روي السيّد الرضي في (النهج): فأشهدُ لقد رأيتهُ في بعض مواقفهِ وَقَد أرخي الليل سُدُوله[1] وهو قائم في محرابه، قابضٌ علي لحيته، يتململ[2] تململ السليم، ويبکي بکاء الحزين، ويقول: «يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا، إِلَيْکِ عَنِّي، أَبِي تَعَرَّضْتِ؟ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ؟ لَا حَانَ حِينُکِ![3] هَيْهَات! غُرِّي غَيْرِي، لَا حَاجَةَ لِي فِيکِ، قَدْ طَلَّقْتُکِ ثَلَاثاً لَا رَجْعَةَ فِيهَا! فَعَيْشُکِ قَصِيرٌ، وَخَطَرُکِ يَسِيرٌ، وَأَمَلُکِ حَقِيرٌ. آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَطُولِ الطَّرِيقِ، وَبُعْدِ السَّفَرِ، وَعَظِيمِ الْمَوْرِدِ».[4] .

وعن ابن عبدالبرّ المالکي في (الاستيعاب): بسنده عن العکلي، عن الحرمازي، عن رجل من همدان، قال: قال معاوية لضرار: يا ضرار صف لي عليّاً؟ قال: إعفني يا أمير المؤمنين؟ قال: لتصفنّه. قال: أما إذ لا بدّ من وصفه، فکان واللَّه بعيد المدي، شديد القوي، يقول فصلاً، ويحکم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطقُ الحِکمة من نواحيه، ويستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وکان غزير العبرة، طويل الفکرة، يُعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، کان فينا کأحدنا، يُجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن واللَّه مع تقريبه إيّانا وقربه منّا لا نکاد نکلّمه هيبةً له، يُعظّم أهل الدين، ويُقرّب المساکين، لا يطمع القويّ في باطله، ولا ييأس الضعيفُ من عدله، وأشهدُ لقد رأيتهُ في بعض مواقفه وقد أرخي سُدوله، وغارت نجومه، قابضاً علي لحيته، يتمَلمل تململ السليم، ويبکي بکاء الحزين، ويقولُ: «يا دُنيا غرّي غيري، ألي تعرّضتِ، أم إليَّ تشوّقتِ، هيهات هيهات! قد باينتک ثلاثاً لا رجعة لي فيها، فعمُرکِ قصير، وخطرِک حقير، آه من قلِة الزاد، وبُعد السفر، ووحشة الطريق».

فبکي معاوية وقال: رحم اللَّه - أبا الحسن - کان واللَّه کذلک، فکيف حزنک عليه، يا ضرار؟ قال: حزن مَن ذُبح وَلدُها في حجرها.[5] .







  1. السُّدل - جمع أسدال -: الستر. يقال: أرخي الليل سدوله، أي أرسل أستار ظلمته.
  2. التململ: عدم الاستقرار من المرض، کأنّه علي ملّة، وهي الرماد الحارّ.
  3. لا حان حينک: أي لا حضر وقتک.
  4. نهج البلاغة - قصار الحکم: 77.
  5. الاستيعاب بهامش الإصابة 43:3، ونقله ابن أبي الحديد في شرحه 224:18. وروي قصّة ضرار کثير من العامّة والخاصّة منهم ابن الصبّاغ المالکي في (الفصول المهمّة: 129)، والصدوق في (أماليه: 91، ح 2)، وابن شهرآشوب في (المناقب 13:2)، والمجلسي في (البحار 14:41).