وصيّته بعد ما جري بينه وبين الطبيب المعالج











وصيّته بعد ما جري بينه وبين الطبيب المعالج



أخرج أبو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيّين): بإسناده عن أبي مخنف، قال: حدّثني عطيّة بن الحرب، عن عمر بن تميم، وعمرو بن أبي بکار، أنّ عليّاً عليه السلام لمّا ضرب جمع له أطباء الکوفة، فلم يکن منهم أحد أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السکوني، وکان متطبّباً صاحب کرسيّ يعالج الجراحات، وکان من الأربعين غلاماً الّذين کان خالد بن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم، وإنّ أثيراً لمّا نظر إلي جرح أمير المؤمنين عليه السلام، دعا بِرئة شاة حارّة، واستخرج عِرقاً منها فأدخله في الجرح، ثمّ استخرجه فإذا عليه بياض الدماغ، فقال له: يا أمير المؤمنين، اعهد عهدک فإنّ عدوّ اللَّه قد وصلتْ ضربته إلي اُمّ رأسک، فدعا عليّ عليه السلام عند ذلک بصحيفة ودواة کَتَبَ وصيّته[1] الحديث.

أمّا وصيّته ذکرها أبو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيّين)، وکذا الطبري في (تأريخه)، وثقة الإسلام الکليني رحمه الله في (الکافي)، و نهج البلاغة لسيّد الرضي والعلّامة المجلسي في (البحار) مع اختلاف يسير في بعض ألفاظها، واللفظ ممّا روي أبوالفرج في مقاتل الطالبيّين:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

هذا ما أوصي به أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، أوصي بأنّه يشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحدَهُ لا شريک له، وأنّ محمّداً عبدهُ ورسولهُ، أرسله بالهدي ودين الحقّ ليظهره علي الدين کلّه ولو کره المشرکون، صلوات اللَّه وبرکاته عليه، إنّ صلاتي ونسکي ومحياي ومماتي للَّه ربّ العالمين لا شريک له، وبذلک اُمرت وأنا أوّل المسلمين.

اُوصيک يا حسن، وجميع وُلدي وأهل بيتي، ومَن بلغه کتابي هذا، بتقوي اللَّه ربّنا ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل اللَّه جميعاً ولا تفرّقوا[2] فإنّي سمعتُ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: إصلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام، وأنّ المبيدة الحالقة للدين فساد ذات البين، ولا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم، اُنظروا إلي ذوي أرحامکم فصلوهم يهوّن اللَّه عليکم الحساب.

ثمّ قال عليه السلام: «اللَّهَ اللَّهَ فِي الْأَيْتَامِ! فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ بجفوتکم.[3] وَاللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِکُمْ! فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فمَا زَالَ يوصينا بهِمْ حَتَّي ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ. وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ! فلَا يَسْبِقْکُمْ إِلي الْعَمَلِ بِهِ غَيْرُکُمْ. وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ! فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِکُمْ. وَاللَّهَ اللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّکُمْ، لَا يَخلُونّ منکم مَا بَقِيتُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ تُرِکَ لَمْ تُنَاظَرُوا، وإنّه إن خلا منکم لم تنظروا. وَاللَّهَ اللَّهَ فِي صيام شهر رمضان، فإنّه جُنّة من النّار، واللَّهَ اللَّهَ في الْجِهَادِ في سَبِيل اللَّه بِأَمْوَالِکُمْ وَأَ نْفُسِکُمْ. واللَّه اللَّه في زکاة أموالکم، فإنّها تطفئ غضب ربّکم. واللَّه اللَّه في اُمّة نبيّکم، فلا يظلمنّ بين أظهرکم، واللَّه اللَّه في أصحاب (اُمّة) نبيّکم، فإنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أوصي بهم، واللَّه اللَّه في الفقراء والمساکين، فأشرکوهم في معائشکم، واللَّه اللَّه في ما ملکت أيمانکم، فإنّها کانت آخر وصيّة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إذ قال: اُوصيکم بالضعيفين فيما ملکت أيمانکم».

ثمّ قال: «الصلاة الصلاة، لا تخافوا في اللَّه لومة لائم، فإنّه يکُفُّکُمْ من بغي عليکم وأرادکم بسوء، قولوا للنّاس حُسناً کما أمرکم اللَّه، ولا تترکوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، فيولّي الأمر عنکم[4] وتدعون فلا يُستجاب لکم، عليکم بالتواضع والتباذل والتبار، وإيّاکم والتقاطع والتفرّق والتدابر «وَتَعَاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَالتَّقْوَي وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ».[5] حفظکم اللَّه من أهل بيت وحفظ فيکم نبيّه، استودعکم اللَّه خير مستودع، واقرأ عليکم سلام اللَّه ورحمته».[6] .

وفي نقل (البحار): أنّه عليه السلام بعد ما وصّي بکيفيّة تغسيله وتکفينه وغير ذلک، فقال:

«يا أبا محمّد، ويا أبا عبداللَّه، کأنّي بکما وقد خرجتْ عليکما من بعدي الفتن من هاهنا، فاصبرا حتّي يحکم اللَّه وهو خير الحاکمين»، ثمّ قال: «يا أبا عبداللَّه، أنت شهيد هذه الاُمّة، فعليک بتقوي اللَّه والصبر علي بلائه».

ثمّ اُغمي عليه ساعة وأفاق، وقال: «هذا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وعمّي حمزة، وأخي جعفر، وأصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وکلّهم يقولون: عجّل قدومک علينا، فإنّا إليک مشتاقون»، ثمّ أدار عينيه في أهل بيته کلّهم، وقال: «أستودعکم اللَّه جميعاً، سدّدکم اللَّه جميعاً، حفظکم اللَّه جميعاً، خليفتي عليکم اللَّه، وکفي باللَّه خليفة»، ثمّ قال: «وعليکم السلام يا رسل ربّي»، ثمّ قال: «لِمِثْلِ هذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ»[7] «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُحْسِنُونَ»[8] وعرف جبينه وهو يذکر اللَّه کثيراً، وما زال يذکر اللَّه کثيراً ويتشهّد بالشهادتين، ثمّ استقبل القبلة وغمّض عينيه ومدّ رجليه ويديه، وقال: «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريک له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله»، ثمّ قضي نحبه.

وکانت وفاته في ليلة الجمعة إحدي وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة.[9] .

قال ابن الأثير: إنّه عليه السلام بعد وصيّته لم ينطق إلّا بلا إله إلّا اللَّه حّي توفّي عليه السلام.[10] .







  1. مقاتل الطالبيّين: 23، وفي شرح ابن أبي الحديد 119:6، مع اختلاف يسير.
  2. و في نهج البلاغة: «اوصيکما و جميع ولدي و مَن بلغه کتابي بتقوي اللَّه و نظم أمرکم و صلاح ذات بينکم فانّي سمعت رسول اللَّه...».
  3. في البحار: «فلا تغيّروا أفواهم، ولا يضيعوا بحضرتکم، فقد سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: من عال يتيماً حتّي يستغني أوجب اللَّه عزّ وجلّ بذلک الجنّة کما أوجب اللَّه لآکل مال اليتيم النّار».
  4. وفي تاريخ الطبري: «فيولّي الأمر شرارکم، ثمّ تدعون فلا يستجاب لکم».
  5. سورة المائدة: 2.
  6. مقاتل الطالبيّين: 24، وتاريخ الطبري 113:4، وراجع في هذا المجال: البحار 250:42، وشرح ابن أبي الحديد 120:6.
  7. سورة الصافّات: 61.
  8. سورة النحل: 128.
  9. البحار 292:42، وفي ليلة وفاته عليه السلام خلاف کما مرّ أوّل هذا الفصل.
  10. أعيان الشيعة533:1.