تعقيب وتكميل











تعقيب وتکميل



في البحار: قال الراوي: فلمّا سمع النّاس الضجّة ثار إليه کلّ من کان في المسجد، وصاروا يدورون ولا يدرون أين يذهبون من شدّة الصدمة والدهشة، ثمّ أحاطوا بأمير المؤمنين عليه السلام هو يشدّ رأسه بمئزره، والدم يجري علي وجهه ولحيته، وقد خضبت بدمائه، وهو يقول: «هذا ما وعد اللَّه ورسوله، وصدق اللَّه ورسوله».[1] .

وفيه أيضاً، قال: فاصطفقت أبواب الجامع، وضجّت الملائکة في السماء بالدعاء، وهبّت ريح عاصف سوداء مظلمة، ونادي جبرئيل عليه السلام بين السماء والأرض بصوت يسمعه کلّ مستيقظ: «تَهَدَّمت واللَّه أرکانُ الهدي، وانطَمَست واللَّهِ نُجومُ السماء، وأعلامُ التُّقي، وانَفَصمت واللَّه العروة الوثقي، قُتِلَ ابنُ عمّ محمّد المُصطفي، قُتِلَ الوصيُّ المُجتبي، قُتِلَ عليّ المرتضي، قُتِلَ واللَّهِ سيِّدُ الأوصياء، قَتَله أشقي الأشقياء».

قال: فلمّا سمعت اُمّ کلثوم نعي جبرئيل، لطمت علي وجهها وخدّها، وشقّت جيبها وصاحت: واأبتاه، واعليّاه، وامحمّداه، واسيّداه، ثمّ أقبلت إلي أخويها الحسن والحسين فأيقظتهما وقالت لهما: لقد قُتل أبوکما، فقاما يبکيان... فلمّا وصلا الجامع ودخلا وجدا أبا جعدة بن هبيرة ومعه جماعة من النّاس، وهم يجتهدون أن يقيموا الإمام في المحراب ليصلّي بالنّاس، فلم يطق علي النهوض وتأخّر عن الصفّ، وتقدّم الحسن عليه السلام فصلّي بالنّاس، وأمير المؤمنين عليه السلام يصلّي إيماءً من جلوس، وهو يمسح الدم عن وجهه وکريمه الشريف، يميل تارةً ويسکن اُخري.

إلي أن قال: ثمّ إنّ الخبر شاع في جوانب الکوفة، وانحشر النّاس، حتّي المخدّرات خرجن من خدرهنّ إلي الجامع ينظرن إلي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فدخل النّاس الجامع فوجدوا الحسن ورأس أبيه في حجره، وقد غسل الدم عنه، وشدّ الضربة وهي بعدها تشخب دماً، ووجهه قد زاد بياضاً بصفرة، وهو يرمق السماء بطرفه ولسانه يسبّح اللَّه ويوحّده وهو يقول: «أَسْأَلُکَ يا ربّ الرفيع الأعلي»، فأخذ الحسن عليه السلام رأسه في حجره فوجده مغشيّاً عليه، فعندها بکي بکاءً شديداً، وجعل يُقبّل وجه أبيه وما بين عينيه موضع سجوده، فسقطت من دموعه قطرات علي وجه أمير المؤمنين عليه السلام، ففتح عينيه فرآه باکياً، فقال له: «يا بُنّي - يا حسن - ما هذا البکاء؟ يا بُنيّ لا روع علي أبيک بعد اليوم، هذا جدّک محمّد المصطفي، وخديجة، وفاطمة، والحور العين محدقون منتظرون قدوم أبيک، فطب نفساً، وقرّ عيناً، واکفف عن البکاء، فإنّ الملائکة قد ارتفعت أصواتهم إلي السماء. يا بُنيّ، أتجزع علي أبيک؟ غداً تقتل بعدي مسموماً مظلوماً، ويُقتل أخوک بالسيف هکذا، وتلحقان بجدّکما وأبيکما واُمّکما»، الحديث.[2] .







  1. البحار 282:42.
  2. راجع: البحار 285 - 282: 42.