مجي ء عليّ إلي المسجد وما جري بينه وبين ابن ملجم











مجي ء عليّ إلي المسجد وما جري بينه وبين ابن ملجم



في (البحار): عن أبي مخنف وغيره: وسار أمير المؤمنين عليه السلام حتّي دخل المسجد والقناديل قد خمد ضؤوها، فصلّي في المسجد ورده وعقّب ساعة، ثمّ إنّه قام وصلّي رکعتين، ثمّ علا المأذنة، ووضع سبّابتيه في اُذنيه وتنحنح، ثمّ أذّن وکان عليه السلام إذا أذّن لم يبق في بلدة الکوفة بيت إلّا اخترقه صوته.

ثمّ روي بسند صحيح أنّ ابن ملجم بات في المسجد ومعه رجلان: أحدهما شبيب بن بجرة، والآخر وردان بن مجالد، يُساعدانه علي قتل عليّ عليه السلام، فلمّا أذّن عليه السلام ونزل من المأذنة وجعل يسبّح اللَّه ويقدّسه ويکبّره ويکثر من الصلاة علي النبيّ صلي الله عليه و آله، قال الراوي: وکان من کرم أخلاقه عليه السلام أنّه يتفقّد النائمين في المسجد، ويقول للنائم: «الصلاة يرحمک اللَّه، الصلاة، قم إلي الصلاة المکتوبة عليک»، ثمّ يتلو عليه السلام: «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَي عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنکَرِ».[1] ففعل ذلک کما کان يفعله علي مجاري عادته مع النائمين في المسجد، حتّي إذا بلغ إلي الملعون، ورآه نائماً علي وجهه، قال له: «يا هذا، قُم من نومک هذا، فإنّها نومة يمقتها اللَّه، وهي نومة الشيطان، ونومة أهل النّار، بل نم علي يمينک فإنّها نومة العلماء، أو علي يسارک فإنّها نومة الحکماء، ولا تنم علي ظهرک فإنّها نومة الأنبياء».

قال: فتحرّک الملعون کأنّه يريد أن يقوم وهو من مکانه لا يبرح، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «لقد هممت بشي ء تکاد السموات يتفطّرن منه، وتنشقّ الأرض، وتخرّ الجبال هدّاً، ولو شئتُ لأنبأتُک بما تحت ثيابک»، ثمّ ترکه وعدل عنه إلي محرابه وقام قائماً يصلّي، وکان عليه السلام يطيل الرکوع والسجود في الصلاة، کعادته في الفرائض والنوافل حاضراً قلبه، فلمّا أحسّ به فنهض الملعون مُسرعاً وأقبل يمشي حتّي وقف بإزاء الاُسطوانة الّتي کان الإمام عليه السلام يُصلّي عليها، فأمهله حتّي صلّي الرکعة الاُولي ورکع وسجد السجدة الاُولي منها ورفع رأسه، فعند ذلک أخذ السيف وهزّه، ثمّ ضربه علي رأسه المکرّم الشريف، فوقعت الضربة علي الضربة الّتي ضربه عمرو بن عبدودّ العامري، ثمّ أخذت الضربة إلي مفرق رأسه إلي موضع السجود، فلمّا أحسّ الإمام عليه السلام بالضرب لم يتأوّه، وصبر واحتسب، ووقع علي وجهه وليس عنده أحد قائلاً: «بسم اللَّه وباللَّه، وعلي ملّة رسول اللَّه»، ثمّ صاح وقال: «قتلني ابن ملجم، قتلني اللعين ابن اليهوديّة وربّ الکعبة، أيّها النّاس، لا يفوتنّکم ابن ملجم». وسار السمّ في رأسه وبدنه، وثار جميع من في المسجد في طلب الملعون، وماجوا بالسلاح، فما کنت أري إلّا صفق الأيدي علي الهامات، وعلوا الصرخات، وکان ابن ملجم ضربه ضربة خائفاً مرعوباً، ثمّ ولّي هارباً وخرج من المسجد، وأحاط النّاس بأمير المؤمنين وهو في محرابه يشدّ الضربة ويأخذ التراب ويضعه عليها، ثمّ تلا قوله تعالي: «مِنْهَا خَلَقْنَاکُمْ وَفِيهَا نُعِيدُکُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُکُمْ تَارَةً أُخْرَي»[2] ثمّ قال: «جاء أمرُ اللَّه، وصدق رسول اللَّه»، ثمّ إنّه لمّا ضربه الملعون ارتجّت الأرض، وماجت البحار والسماوات، واصطفقت أبواب الجامع، قال الراوي: وضربه اللعين شبيب بن بجرة فأخطأه، ووقعت الضربة في الطاق.[3] .

وفي (شرح ابن أبي الحديد): عن أبي مخنف، عن عبداللَّه بن محمّد الأزدي، قال: إنّي لاُصلّي تلک الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر، کانوا يصلّون في ذلک الشهر من أوّل الليل إلي آخره، إذ نظرتُ إلي رجالٍ يصلّون قريباً من السُّدة قياماً وقعوداً، ورکوعاً وسجوداً، ما يسأمون، إذ خرج عليهم عليّ بن أبي طالب فأقبل ينادي: «الصلاة الصلاة»، فرأيت بريقَ السيف، وسمعتُ قائلاً يقول: الحکم للَّه يا عليّ لا لک، ثمّ رأيتُ بريقَ سيفَ آخر، وسمعت صوت عليّ عليه السلام يقول: «لا يفوتنّکم الرجل».[4] .







  1. سورة العنکبوت: 45.
  2. سورة طه: 55.
  3. البحار 280:42.
  4. شرح ابن أبي الحديد 117:6.