قصد ابن ملجم عليّاً والتواطؤ بينه وبين قطام











قصد ابن ملجم عليّاً والتواطؤ بينه وبين قطام



في (المقاتل الطالبيين): فأقبل ابن ملجم حتّي قدم الکوفة، فلقي بها جماعة من أصحابه - أهل النهروان - وکتمهم أمره، وطوي عنهم ما تعاقد هو وأصحابه عليه بمکّة من قتل اُمراء المسلمين، مخالفة أن ينشر منه شي ء، وإنّه زار رجلاً من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب، فصادف عنده قطام بنت الأخضر بن شجنة من تيم الرباب[1] وکان عليّ عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان، وکانت من أجمل نساء أهل زمانها، فلمّا رآها ابن ملجم لعنه اللَّه شغف بها واشتدّ إعجابه، فخبر خبرها فخطبها، فقالت له: ما الّذي تسمّي لي من الصداق؟ فقال لها: احتکمي ما بدا لک، فقالت: أنا محتکمة عليک ثلاثة آلاف درهم، ووصيفاً وخادماً، وقتل عليّ بن أبي طالب!

فقال لها: لک جميع ما سألتِ، فأمّا قتل عليّ بن أبي طالب فإنّي لي بذلک؟ فقالت: تلتمس غرّته، فإن أنت قتلته شفيت نفسي وهنأک العيش معي، وإن قُتِلتَ فما عند اللَّه خير لک من الدنيا، الحديث.[2] .

وفي (الفصول المهمّة): فمرّ في بعض الأيام بدار من دور الکوفة فيها عرس، فخرج منها نسوة، فرأي فيهنّ امرأة جميلة فائقة في حسنها، يقال لها: قطام بنت الأصبغ التميمي لعنها اللَّه، فهواها ووقعت في قلبه محبّتها، فقال لها: يا جارية، أيّمٌ أنت أم ذات بعل؟ فقالت: بل أيّم، فقال لها: هل لکِ في زوج لا تذمّ خلائقه؟ فقالت: نعم، ولکن لي أولياء اُشاورهم، فتبعها فدخلت داراً ثمّ خرجت إليه، فقالت: يا هذا إنّ أوليائي أبوا أن يزوّجوني إلّا علي ثلاثة آلاف درهم وعبدٍ وقينةٍ.[3] قال: لک ذلک.

قالت: وشريطة اُخري؟ قال: وما هي؟ قالت: قَتلُ عليّ بن أبي طالب، فإنّه قتل أبي وأخي يوم النهروان! قال: ويحک ومن يقدر علي قتل عليّ، وهو فارس الفرسان، وواحد الشجعان، فقالت: لا تکثر، فذلک أحبّ إلينا من المال، کنتَ تفعل ذلک وتقدر عليه وإلّا فاذهب إلي سبيلک؟ فقال لها: أمّا عليّ بن أبي طالب عليه السلام فلا، ولکن إن رضيتي ضَربتُه بسيفي ضربةً واحدةً وانظري ماذا يکون؟ قالت: رضيتُ، ولکن التمس غرّته لضربتک، فإن أصبته انتفعت بنفسک وبي، وإن هَلکتَ فما عند اللَّه خير وأبقي من الدنيا وزينة أهلها. فقال لها: واللَّه ما جاء بي إلي هذا المصر إلّا قتل عليّ بن أبي طالب! قالت: فإذا کان الأمر علي ما ذکرت، دعني أطلب لک مَن يَشدّ ظهرَک ويُساعدُک؟ فقال لها: افعلي. فبعثت إلي رجل من أهلها يقال له: وردان - من تيم الرباب - فکلّمته فأجابها[4] وخرج ابن ملجم من عندها وهو يقول:


ثلاثة آلاف عبدٌ وقنيةٌ
وقتلُ عليٍّ بالحسام المصمّم


فلا مهر أغلي من عليّ وإن غلا
ولا فتک إلّا دون فتک ابن ملجم[5] .


وجاء ابن ملجم إلي رجل من أشجع، يقال له: شبيب بن بحرة من الخوارج، فقال له: هل لک في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وکيف ذلک، قال: قتل عليّ بن أبي طالب، فقال له: ثکلتک اُمّک لقد جئتَ شيئاً إدّاً، کيف تقدر علي ذلک؟ قال: أکمنُ له في المسجد، فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجينا شفينا أنفسنا وأدرکنا ثأرنا، وإن قُتلنا فما عند اللَّه خير من الدنيا وما فيها، ولنا اُسوة في أصحابنا الّذين سبقونا، فقال له: ويحک، لو کان غير عليّ، وقد عرفت بلاءه في الإسلام وسابقته مع النبيّ صلي الله عليه و آله، وما أجدُ نفسي تنشرح لقتله، قال: ألم تعلم أنّه قتل أهل النهروان العباد المصلّين؟ قال: بلي، قال: فنقتله بمن قتل من إخواننا، فأجابه إلي ذلک، فجاءوا إلي قطام وهي في المسجد الأعظم معتکفة، وکان ذلک في شهر رمضان، فقالوا لها: قد صمّمنا وأجمع رأينا علي قتل عليّ بن أبي طالب.

فقال ابن ملجم: ولکن يکون ذلک في الليلة الحادية والعشرين منه، فإنّها الليلة الّتي تواعدتُ وصاحباي فيها علي أن يبت کلّ واحد منّا صاحبه الّذي تَکَفَّلَ بقتله. فأجابوه إلي ذلک، فمّا کانت الليلة الحادية والعشرين أخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدّة الّتي يخرج منها عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وکانت ليلة الجمعة، فلمّا خرج لصلاة الصبح شدّ عليه شبيب فضربه بالسيف، فوقف سيفه بعضادة الباب وضربه ابن ملجم لعنه اللَّه بسيفه فأصابه، وهرب وردان، ومضي شبيب هارباً حتّي دخل منزله، فدخل عليه من بني اُميّه فقتله، وأمّا ابن ملجم فإنّ رجلاً من همدان لحقه فطرح عليه قطيفة کانت في يده ثمّ صرعه وأخذ السيف منه، وجاء به إلي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فنظر إليه عليّ عليه السلام، ثمّ قال: «النفس بالنفس، إن أنا متُّ فاقتلوه کما قتلني، وإن سلمت رأيت رأيي فيه».[6] .

وأضاف أبو الفرج الاصفهاني في (المقاتل) علي ما في الفصول المهمّة بقوله: قالت قطام لهما: فإذا أردتما ذلک فالقياني في هذا الموضع، فانصرفا من عندها، فلبثا أيّاماً، ثمّ أتياها ليلة الجمعة لتسع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربعين، الحديث.[7] .

وقال المسعودي في تاريخه: فدعت قطام لهما بحرير فعصبتهما، وأخذوا أسيافهم وقعدوا مقابلين لباب السُدّة الّتي يخرج منها عليّ عليه السلام للمسجد، وکان عليّ عليه السلام يخرج کلّ غداة أوّل الأذان يوقظ النّاس للصلاة، وکان ابن ملجم مرّ به الأشعث وهو في المسجد، فقال له: فضحک الصبح، فسمعها حجر بن عديّ، فقال: قتلته يا أعور قتلک اللَّه، الحديث.[8] .

وروي العلّامة المجلسي رحمه الله في (البحار) عن (الإرشاد): فدعت قطام لهم بحرير فعصبت به صدورهم، وتقلّدوا أسيافهم ومضوا وجلسوا مقابل السُدّة الّتي کان يخرج منها أمير المؤمنين عليه السلام إلي الصلاة، وقد کانوا قبل ذلک ألقوا إلي الأشعث بن قيس ما في نفوسهم من العزيمة علي قتل أمير المؤمنين عليه السلام، وواطأهم علي ذلک، وحضر الأشعث بن قيس في تلک الليلة لمعونتهم علي ما اجتمعوا عليه، وکان حجر بن عديّ في تلک الليلة بائتاً في المسجد، فسمع الأشعث يقول: يابن ملجم، النجاء النجاء لحاجتک، فقد فضحک الصبح[9] فاحسّ حجر بما أراد الأشعث، فقال له: قتلته يا أعور، وخرج مبادراً ليمضي إلي أمير المؤمنين عليه السلام ليخبره الخبر، ويحذّره من القوم، وخالفه أمير المؤمنين عليه السلام من الطريق فدخل المسجد، فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف، وأقبل حجر والنّاس يقولون: قُتل أمير المؤمنين عليه السلام.[10] .







  1. وهي قطام ابنة الشجنة في (تاريخ الطبري 110:4)، وقطام بنت عاقمة في (الکامل للمبرّد: 549)، وبنت الأصبغ التميمي في (الفصول المهمّة: 132).
  2. مقاتل الطالبيّين: 19، وشرح ابن أبي الحديد 115:6، والبحار 229:42.
  3. القينة: الأمة.
  4. الفصول المهمّة: 132.
  5. هذان البيتان في مروج الذهب 423:2.
  6. الفصول المهمّة: 133.
  7. مقاتل الطالبيّين: 19.
  8. مروج الذهب 424:2.
  9. أي طلع الصبح.
  10. البحار 230 - 228: 42، في حديث طويل.