مظلوميّته في لعنه في عصر الأمويّين











مظلوميّته في لعنه في عصر الأمويّين



وقد اختلف العلماء وأهل الحديث في مراده عليه السلام بالرجل الّذي أخبر عليه السلام بظهوره علي أهل الکوفة، في الخطبة المارّة الذکر، والّتي يقول فيها: «أَما إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْکُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُومِ».

قال ابن أبي الحديد: کثير من النّاس ذهب إلي أنّه عليه السلام عني زياد بن أبيه، وکثير منهم يقول: إنّه عني الحجّاج، وقال قوم: إنّه عليه السلام عني المغيرة بن شعبة، ثمّ قال: والأشبه عندي أنّه عليه السلام عني معاوية بن أبي سفيان (لعنه اللَّه)؛ لأنّه کان موصوفاً بالنَّهم وکثرة الأکل، وکان بطيناً، يقعد بطنه إذا جلس علي فخذيه، وکان جواداً بالمال والصِّلات، وبخيلاً علي الطعام.. کان معاوية يأکل فيکثر ثمّ يقول: ارفعوا فواللَّه ما شبعتُ، ولکن مللتُ وتعبتُ.

ثمّ قال: تظاهرتِ الأخبار أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله دعا علي معاوية لمّا بعث إليه يستدعيه، فوجده يأکل، ثمّ بعث فوجده يأکل، فقال: «اللّهمّ لا تشبع بطنه».

قال الشاعر:


وصَاحِبٍ لي بطنُه کَالْهاوِيَة
کأنَّ في أحشائِهِ معاويه[1] .


قال العلّامة الخوئي في شرحه: ويدلّ علي ما ذکرنا من أنّ مراده عليه السلام بالرجل الموصوف، معاوية قوله عليه السلام: «وإنّه سيأمُرکم بسبّي والبراءة منّي»، فإنّ غيره وإن کان يأمر بالبراءة والسبّ أيضاً إلّا أنّ هذا الملعون ابن الملعون (أعني معاوية) قد أخذ ذلک شعاراً له، وقد أمر النّاس بالشام والعراق بسبّه والبراءة منه، وخطب بذلک علي منابر الإسلام حتّي صار ذلک سنّة في أيّام بني اُميّة إلي أن قام عمر بن عبدالعزيز فأزاله.[2] .

وقال العلّامة الأميني: وقد صارت - أي سبّة أمير المؤمنين عليه السلام - سنّةً جاريهً، ودُعمت في أيّام الأمويّين سبعون ألف منبر يُلعن فيها أمير المؤمنين عليه السلام[3] واتّخذوا ذلک کعقيدة راسخةٍ، أو فريضةٍ ثابتةٍ، أو سنّةٍ متّبعةٍ يُرغّبُ فيها بکلّ شوق وتوقٍّ حتّي أنّ عمر بن عبدالعزيز لمّا منع عنها لحکمة عمليّة أو لسياسة وقتيّة، حسبوه کأنّه جاء بطامّة کبري أو اقترف إثماً عظيماً.[4] .

روي ابن الأثير في (اُسد الغابة) عن شهر بن حوشب، أنّه قال: أقام فلان خطباء يشتمون عليّاً عليه السلام ويقعون فيه حتّي کان آخرهم رجل من الأنصار أو غيرهم، يقال له: أنيس، فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: إنّکم قد أکثرتم اليوم في سبّ هذا الرجل وشتمه، وإنّي اُقسم باللَّه إنّي سمعتُ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: «إنّي لأشفعُ يومَ القيامةِ لأکثر ممّا علي الأرض من مدرٍ وشجرٍ، واُقسم باللَّه ما أحد أوصل لرحمه منه، أفترون شفاعته تصل إليکم وتعجز عن أهل بيته؟!».[5] .







  1. شرح ابن أبي الحديد 54:4.
  2. شرح نهج البلاغة (للخوئي) 346:4.
  3. راجع: الغدير 102:2 و 103.
  4. الغدير 266:10.
  5. اُسد الغابة 134:1.