مظلوميّته في حيلة عمرو علي أبي موسي في اجتماع الحكمين











مظلوميّته في حيلة عمرو علي أبي موسي في اجتماع الحکمين



ولمّا جاء وقت اجتماع الحکمين، أرسل عليّ عليه السلام أربعمائة رجل عليهم شريح بن هاني الحارثي، وبعث معهم عبداللَّه بن عبّاس وهو يصلّي بهم ويلي اُمورهم، وأوصي شريحاً أن يقول لعمرو بن العاص بالتقوي ورعاية الحقّ.

وکذا أرسل معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام حتّي توافوا بدومة الجندل بأذرح في شهر رمضان، فلمّا اجتمع الحکمان وجري بينهما ما جري، وأخذ عمرو يقدّم أبا موسي في الکلام، وکان مکراً وخديعة، وإن قال له ابن عبّاس: ويحک! واللَّه إنّي لأظنّه قد خدعک؟ أمّا أبو موسي فکان مغفّلاً، فقال: إنّا قد اتّفقنا.[1] .

وقال المسعودي في (مروج الذهب): ووجدت في وجه آخر من الروايات أنّهما اتّفقا علي خلع عليّ ومعاوية، وأن يجعلا الأمر بعد ذلک شوري: يختار النّاس رجلاً يصلح لهم فقدّم عمرو أبا موسي.[2] .

ورواه أيضاً - في حديث طويل بعد مناظرة أبي موسي وعمرو بن العاص - قال عمرو: أما إذا رأيت الصلاح في هذا الأمر والخير للمسلمين فاخطُب النّاس، واخلع صاحبينا [معاً ]وتکلّم باسم هذا الرجل الّذي تستخلفه، فقال أبو موسي: بل أنت قم فاخطُب فأنت أحقّ بذلک، قال عمرو: ما اُحبّ أن أتقدّمک، وما قولي وقولک للنّاس إلّا قول واحد، فقم راشداً. فقام أبو موسي، فحمد اللَّه وأثني عليه، وصَلّي علي نبيّه صلي الله عليه و آله، ثمّ قال: أيّها النّاس، إنّا قد نظرنا في أمرنا، فرأينا أقرب ما يحضرنا من الأمن والصلاح ولمّ الشعث وحقن الدماء وجمع الاُلفة، خلعنا عليّاً ومعاوية، وقد خَلعتُ عليّاً کما خلعتُ عمامتي هذه، ثمّ أهوي إلي عمامته فخعلها، واستخلفنا رجلاً قد صحب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بنفسه، وصحب أبوه النبيّ صلي الله عليه و آله، فبرّز في سابقته - وهو عبداللَّه بن عمر - وأطراه، ورغّب النّاس فيه، ثمّ نزل.

فقام عمرو بن العاص فحمد اللَّه وأثني عليه، وصلّي علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ثمّ قال: أيّها النّاس، إنّ أبا موسي عبداللَّه بن قيس قد خلع عليّاً وأخرجه من هذا الأمر الّذي يطلب وهو أعلم به، ألا وأنّي قد خلتُ عليّاً معه، وأثبتُّ معاوية علَيَّ وعليکم، وإنّ أبا موسي قد کتب في الصحيفة أنّ عثمان قد قُتل مظلوماً شهيداً، وأنّ لوليّه (سلطاناً) أن يطلب بدمه حيث کان، وقد صحب معاوية رسول اللَّه بنفسه، وصحب أبوه النبيّ صلي الله عليه و آله (وأطراه، ورغّب النّاس فيه وقال): هو الخليفة علينا، وله طاعتنا وبيعتنا علي الطلب بدم عثمان، فقال أبو موسي: کذب عمرو، لم نستخلف معاوية، ولکنّا خلعنا معاوية وعليّاً معاً، فقال عمرو: بل کذب عبداللَّه بن قيس، قد خلع عليّاً ولم أخلع معاوية.[3] .

وفيه أيضاً: وانخزل أبو موسي فاستوي علي راحلته ولحق بمکّة، ولم يعد إلي الکوفة، وقد کانت خطّته وأهله وولده بها، وآلي أن لا ينظر إلي وجه عليّ ما بقي، ومضي ابن عمر وسعد إلي بيت المقدس، (فأحرما).[4] .

قال نصر: ورجع عمرو إلي منزله من دومة الجندل فکتب إلي معاوية قصيدة نذکر بيتين منها:


أتيتک الخلافة مزفوفة
هنيئاً مريئاً تُقرُّ العُيونا


تُزَفُّ إليک زفاف العروس
بأهْوَنَ من طعنک الدار عينا[5] .







  1. راجع تاريخ الطبري 94:4، والکامل في التاريخ 394:2، وابن أبي الحديد 244:2.
  2. مروج الذهب 409:2.
  3. المصدر المتقدّم: 408.
  4. المصدر المتقدّم: 410.
  5. وقد أشرنا إلي تفصيل الواقعة في فصل (عليّ عليه السلام وصفّين) في الجلد الأوّل فراجعه، ومن أراد تفصيلاً أکثر فليراجع شرح ابن أبي الحديد 245:2، والکامل في التاريخ 394:2، وتاريخ الطبري 49:4.