مظلوميّته في انتخاب أبي موسي الأشعري للتحكيم











مظلوميّته في انتخاب أبي موسي الأشعري للتحکيم



وانصرف الأشعث إلي عليّ عليه السلام فأخبره، فبعث عليّ عليه السلام قُرّاء من أهل العراق، وبعث معاوية قُرّاء من أهل الشام، فاجتمعوا بين الصفّين ومعهم المصحف، فنظروا فيه وتدارسوا، واجتمعوا علي أن يُحيوا ما أحيا القرآن، ويُميتوا ما أمات القرآن، ورجع کلّ فريق إلي صاحبه، فقال أهل الشام: إنّا قد رَضينا واخترنا عمرو بن العاص، وقال الأشعث والقُرّاء الّذين صاروا خوارج فيما بعد: قد رضينا نحن واخترنا أبا موسي الأشعري. فقال لهم عليّ عليه السلام: «فإنّي لا أرضي بأبي موسي، ولا أري أن اُولّيه».

فقال الأشعث وزيد بن حُصين ومِسعر بن فَدَکيّ في عصابة من القرّاء: إنّا لا نرضي إلّا به، فإنّه قد کان حذّرنا ما وقعنا فيه. فقال عليّ عليه السلام: «فإنّه ليس لي برضي، وقد فارقني وخذّل النّاس عنّي، وهرب منّي حتّي أمّنتُه بعد أشهر، ولکن هذا ابن عبّاس اُولّيه ذلک»، قالوا: واللَّه ما نُبالي، أکنت أنت أو ابن عبّاس، ولا نُريد إلّا رجلاً هو منک ومن معاوية سواء، ليس إلي واحد منکما بأدني من الآخر.

قال عليّ عليه السلام: «فإنّي أجعل الأشتر»، فقال الأشعث: وهل سعّر الأرض علينا إلّا الأشتر! وهل نحن إلّا في حُکم الأشتر. قال عليّ عليه السلام: «وما حکمه؟». قال: حکمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيف حتّي يکون ما أردتَ وما أراد، وساق الکلام إلي قوله:

فقال عليّ عليه السلام: «قد أبيتُم إلّا أبا موسي!»، قالوا: نعم، قال: «فاصنعوا ما شئتم»، فبعثوا إلي أبو موسي - وهو بأرض من أرض الشام، يقال لها عُرض[1] قد اعتزل القتال - فأتاه مولي له، فقال: إنّ النّاس قد اصطلحوا، فقال: الحمد للَّه ربّ العالمين، قال: وقد جعلوک حکماً، فقال: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.[2] .

ولکن خالف بعض صحابة أمير المؤمنين عليه السلام في تحکيم أبي موسي ولا يؤثر ذلک بعد أن اتّفق الخونة والمنافقون والجهّال من جيش عليّ عليه السلام علي أبي موسي الأشعري.[3] .

قال نصر بن مزاحم: فلمّا رَضي أهل الشام بعمرو بن العاص وأهل العراق بأبي موسي، أخذوا في سطر کتاب الموادعة.. وکُتب الکتاب يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين، واتّفقوا علي أن يوافي أمير المؤمنين عليّ عليه السلام موضع الحکمين بدومة الجندل أو بأذرح في شهر رمضان، الحديث.[4] .







  1. عُرْض: بلد بين تدمر ورصافة الشام.
  2. راجع: شرح بن أبي الحديد 228:2.
  3. راجع: المصدر المتقدّم: 229.
  4. والرواية طويلة، من أرادها فليراجع شرح ابن أبي الحديد 232:2، والکامل في التاريخ 389:2، وتاريخ الطبري 562:3.