علي يُطلع جيشه علي حيلة معاوية وعمرو، ولكنّه يُهدّد بالقتل











علي يُطلع جيشه علي حيلة معاوية وعمرو، ولکنّه يُهدّد بالقتل



فقال عليّ عليه السلام: «أيّها النّاسُ، إنّي أحقّ مَن أجابَ إلي کتاب اللَّه، ولکنّ معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي مُعيط وابن أبي سرح وابن مسلمة ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إنّي أعرف بهم منکم، صحبتهم صغاراً ورجالاً، فکانوا شرّ صغار وشرّ رجال، ويحکم إنّها کلمة حقّ يراد بها باطل! إنّهم ما رَفعوها أنّهم يعرفونها ويعملون بها، ولکنّها الخديعة والوهن والمکيدة! أعيروني سواعدَکُم وجماجمکم ساعة واحدة، فقد بلغ الحقّ مقطعه، ولم يبق إلّا أن يُقطَع دابرُ الّذين ظلموا».

فجاءه من أصحابه زهاء عشرين ألفاً مقنّعين في الحديد، شاکي سيُوفهم علي عواتقهم، وقد اسودّت جباههم من السجود، يتقدّمهم مِسعَر بن فَدَکيّ، وزيد بن حُصين، وعصابةٌ من القُرّاء الّذين صاروا خوارج من بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: يا عليّ، أجب القوم إلي کتاب اللَّه إذا دُعيتَ إليه، وإلّا قتلناک کما قتلنا ابن عفّان، فواللَّه لنفعلنّها إن لم تُجبهم!

فقال لهم: «ويحکم! أنا أوّل من دَعا إلي کتاب اللَّه، وأوّل مَن أجابَ إليه، وليس يَحلُّ لي، ولا يسعني في ديني أن اُدْعي إلي کتاب اللَّه فلا أقبلُه، إنّي إنّما قاتلتهم ليدينوا بحکم القرآن، فإنّهم قد عصوا اللَّه فيما أمرهم، ونقضوا عهده، ونبذوا کتابه، ولکنّي قد أعلمتکم أنّهم قد کادوکم، وأنّهم ليس العمل بالقرآن يُريدون»، قالوا: فابعث إلي الأشتر ليأتينّک، وقد کان الأشتر صبيحة ليلة الهرير أشرف علي عسکر معاوية ليدخله.[1] .

فأقبل الأشتر حتّي انتهي إليهم، فصاح: يا أهل الذلّ والوهن، أحينَ علوتم القوم وظنّوا أنّکم لهم قاهرون، رفعوا المصاحف يدعونکم إلي ما فيها، وقد واللَّه ترکوا ما أمر اللَّه به فيها، وقد ترکوا سنّة من اُنزلت عليه، فلا تجيبوهم! أمهلوني فُواقاً[2] فإنّي قد أحسستُ بالفتح، قالوا: لا نمهلک. قال: فأمهلوني عَدوَة الفَرس، فإنّي قد طمعتُ في النصر. قالوا: إذنْ ندخُلُ معک في خطيئتک، فَسبُّوه وسبّهم، وضَربُوا بسيافهم وجه دابّته، وضرب بسوطه وجوه دوابّهم، وصاح بهم عليّ عليه السلام فکفّوا.

وقال الأشتر: يا أمير المؤمنين، احمل الصفّ علي الصفّ تَصرع القوم، فتصايحوا: إنّ أمير المؤمنين قد قَبِل الحکومة، ورَضي بحکم القرآن. فقال الأشتر: إن کان أمير المؤمنين قد قَبِلَ ورضي فقد رضيتُ بما رضي به أمير المؤمنين، فأقبل النّاس يقولون: قد رَضي أمير المؤمنين، قد قَبِلَ أمير المؤمنين، وهو ساکت لا يَبضّ[3] بکلمة مُطرقٌ إلي الأرض.

ثمّ قام فسکت النّاس کلّهم، فقال: «أيّها النّاس، إنّ أمري لم يَزَل معکم عَلَي ما اُحبّ إلي أن أخذَتْ منکم الحرب، وقد - واللَّه - أخَذَتْ منکم وترکت، وأخذَتْ من عدوِّکم فلم تترک، وإنّها فيهم أنکي وأنهک، ألا إنّي کنتُ أمسِ أمير المؤمنين، فأصبحت اليوم مأموراً، وکنتُ ناهياً فأصبحتُ منهيّاً، وقد أحببتم البقاء، وليس لي أن أحملکم علي ما تکرهُون»، ثمّ قعد.

ثمّ تکلّم رؤساء القبائل، فکلٌّ قال ما يراه ويهواه إمّا من الحرب أو من السلم.. إلي أن قال نصر: وجاء الأشعث إلي عليّ ءعليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، ما أري النّاس إلّا قد رضوا، وسرّهم أن يجيبوا القوم إلي ما دَعَوهم إليه من حکم القرآن، فإن شئت أتيتُ معاوية فسألتُه ما يُريد، ونظرتُ ما الّذي يسأل، قال: «آته إن شئت»، فأتاه فسأله: يا معاوية، لأيّ شي ء رفعتم هذه المصاحف؟

قال: لنرجع نحنُ وأنتم إلي ما أمر اللَّه به فيها، فابعثوا رجلاً منکم تَرضَون به، ونبعثُ مِنّا رجلاً، ونأخذ عليها أن يعمَلا بما في کتاب اللَّه ولا يَعْدُوانِه، ثمّ نتّبع ما اتّفقنا عليه، فقال الأشعث: هذا هو الحقّ.[4] .







  1. شرح ابن أبي الحديد 216:2.
  2. الفُواق: ما بين الحلبتين. يقال: انتظرتک فواق ناقة.
  3. لا يبضّ: لا يتکلّم.
  4. انظر: شرح ابن أبي الحديد 228 - 218: 2.