بداية الخلاف في جيش عليّ











بداية الخلاف في جيش عليّ



قال الشارح المعتزلي، عن أبي جعفر: ثمّ قام الطفيل بن أدهم حيال عليّ عليه السلام وقام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة، وقام ورقاء بن المعمّر حيال الميسرة، ثمّ نادوا: يا معشر العرب، اللَّه اللَّه في النساء والبنات والأبناء من الروم والأتراک وأهل فارس غداً إذا فنيتم، اللَّه اللَّه في دينکم! هذا کتابُ اللَّه بيننا وبينکم. فقال عليّ عليه السلام: «اللّهمّ إنّک تعلم أنّهم ما الکتاب يريدون، فاحکُم بيننا وبينهم إنّک أنت الحکم الحقّ المبين».

فاختلف أصحاب عليّ عليه السلام في الرأي، فطائفة قالت: القتال، وطائفةٌ قالت: المحاکمة إلي الکتاب، ولا يحلّ لنا الحرب، وقد دُعينا إلي حکم الکتاب، فعند ذلک بطلت الحرب ووضعت أوزارها.[1] .

قال نصر: وروي الشعبي عن صعصعة، قال: وقد کان الأشعثُ بن قيس بدر منه قولٌ ليلة الهرير، نقله الناقلون إلي معاوية، فاغتنمه وبَني عليه تدبيره، وذلک أنّ الأشعث خَطبَ أصحابه من کندة تلک الليلة، فقال: الحمد للَّه، أحمدُه وأستعينه وأؤمِنُ به وأتوکّل عليه، وأستنصره وأستغفره، وأستجيره وأستهديه، وأستشريه واستشهد به، فإنّ مَنْ هداه اللَّه فلا مضلّ له، ومن يظلل اللَّه فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحدَهُ لا شريک له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبدُه ورسولهُ صلي الله عليه و آله.

ثمّ قال الأشعث: قد رأيتم - يا معشر المسلمين - ما قد کان في يومکم هذا الماضي، وما قد فَني فيه من العرب، فواللَّه لقد بَلغتُ من السِّنِّ ما شاء اللَّه أن أبلُغ، فما رأيتُ مثلَ هذا اليوم قطّ، ألا فليُبلِّغ الشاهد الغائب، إنّا نحن إن توافقنا غداً، إنّه لفناء العرب، وضيعة الحُرُمات[2] أمّا واللَّه ما أقول هذه المقالة جَزَعاً من الحرب، ولکنّي رجلٌ مُسنٌّ أخافُ علي النساء والذراري غداً إذا فَنينا، اللّهمّ إنّک تعلم أنّي قد نظرتُ لقومي ولأهل ديني فلم آلُ، وما توفيقي إلّا باللَّه عليه توکلّت وإليه اُنيب، والرأي يُخطئ ويُصيب، وإذا قضي اللَّه أمراً أمضاه علي ما أحبّ العباد أو کرهوا، أقول قولي هذا وأستغفر اللَّه العظيم لي ولکم.[3] .

قال الشعبي: قال صعصعة: فانطلقت عيونُ معاوية إليه بخطبة الأشعث فقال: أصاب وربّ الکعبة! لئن نحن التقينا غداً لتملينّ الروم علي ذراريّ أهل الشام ونسائهم، ولتميلنّ فارسُ علي ذاريّ أهل العراق ونسائهم! إنّما يبصر هذا ذَوُوا الأحلام والنُّهي، ثمّ قال لأصحابه: اربطوا المصاحف علي أطراف القَنا.

فثار أهل الشام في سواد الليل ينادون عن قول معاوية وأمره: يا أهل العراق، مَن لذرارينا إن قتلتمونا، ومَن لذراريکم إذا قتلناکم! اللَّه اللَّه في البقيّة! وأصبحُوا وقد رفعوا المصاحِفَ علي رؤوس الرماح، وقد قلّدوها الخيل، والنّاس علي الرايات قد اشتهوا ما دُعوا إليه، ومصحفُ دمشق الأعظم يحمله عشرة رجال علي رؤوس الرماح وهم ينادون: کتاب اللَّه بيننا وبينکم. وأقبل الأعور السُّلميّ علي برذون أبيض، وقد وَضَع المصحف علي رأسه يُنادي: يا أهل العراق، کتاب اللَّه بيننا وبينکم.[4] .







  1. المصدر المتقدّم: 212.
  2. فنيت العرب وضيّعت الحرمات (ن خ).
  3. شرح ابن أبي الحديد 214:2.
  4. شرح ابن أبي الحديد 215:2.