شهادة فاطمة ودفنها ليلاً











شهادة فاطمة ودفنها ليلاً



من أهم مظلوميّة عليّ عليه السلام تحملّه شهادة فاطمة عليهاالسلام في عنفوان الشباب و تجهيزها و دفنها ليلاً و خفاءً، و قد تواترت الأخبار من طريقي الخاصّة والعامّة أنّ فاطمة عليهاالسلام لسخطها علي أبي بکر وعمر أوصت أن تدفن ليلاً لئلّا يُصلّيا عليها و لا يحضرا جنازتها.[1] .

في مرآة العقول في شرح الکافي للمجلسي عن (الشافي) للسيد المرتضي عن الطبري قال: أنّ فاطمة دفنت ليلاً ولم يحضرها إلّا العبّاس وعليّ والمقداد والزبير.[2] .

و فيه أيضاً عن القاضي أبو بکر، بإسناده في تاريخه عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة: أنّ فاطمة عاشت بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها عليّ عليه السلام ليلاً وصلّي عليها عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وذکر في کتابه هذا أنّ أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام دفنوها ليلاً وغيّبوا قبرها.[3] .

و فيه أيضاً عن البلاذري في تاريخه: إنّ فاطمة لم تُر مُتبسمةً بعد وفاة رسول اللَّه، ولم يُعلم أبو بکر وعمر بموتها.[4] .

وفي (الکافي): عن الحسين بن عليّ عليه السلام، قال: «لمّا قُبضت فاطمة دفنها أمير المؤمنين سرّاً، وعفا علي موضع قبرها، ثمّ قام فحوّل وجهه إلي قبر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فقال:

السَّلَامُ عَلَيْکَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي، وَعَنِ ابْنَتِکَ وزائرتک والبائتة في الثري ببقعتک، والمختار اللَّه لها سرعة اللّحاق بک، قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَنْ صَفِيَّتِکَ صَبْرِي، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تَجَلُّدِي، إِلَّا أَنَّ لي فِي التَّأَسِّيِ بسنَّتِک في فرقتک موضع تعزّ، فَلَقَدْ وَسَّدْتُکَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِکَ، وَفَاضَتْ نَفْسُکَ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي، بلي وفي کتاب اللَّه (لي) أنعم القبول، «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ». قَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ! واُخلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء، يا رسول اللَّه، أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ، وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسْهَّدٌ، وهَمَّ لا يبرج من قلبي أو يَخْتَارَ اللَّهُ لِي دَارَکَ الَّتِي أَ نْتَ فيها مُقِيمٌ. کُمَدٌ[5] مقيّحٌ[6] و هَمٌّ مَهيج سرعان ما فُرِّقَ بيننا وإلي اللَّه أشکو، وَسَتُنَبِّئُکَ ابْنَتُکَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِکَ عَلَي هَضْمِهَا[7] فَأَحْفِهَا[8] السُّؤَالَ، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ؛ فکَم مِن غَليلٍ مُعتلجٍ بصدرِها، لم تجد إلي بثّه سَبِيلاً، وَستَقُولُ ويَحکمُ اللَّه وَهُوَ خيرُ الحاکمين.

سَلَامَ مُوَدِّعٍ، لَا قَالٍ وَلَا سَئمٍ، فَإِنْ أَ نْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ، وَإِنْ أُقِمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِين.[9] واه واهاً والصبرُ أيمَن وأجمَل، ولولا غَلبةُ المُستَولين لجَعَلْتُ المُقام واللَّبث لزاماً مَعکُوفاً، ولأعولتُ إعوال الثکلي عَلي جليل الرزيّة، فبعين اللَّه تُدفَنُ ابنتک سِرّاً وتُهضم حقّها، وتُمنع إرثها، ولم يتباعد العهد، ولم يخلق منک الذِّکر، وإلي اللَّه - يا رسول اللَّه - المشتکي، وفيک يا رسول اللَّه أحسنُ العزاء، صلّي اللَّه عليک وعليها السلام والرضوان».[10] .

من هذه الخطبة عند مدفن فاطمة عليهاالسلام تستفاد شدّة حزن عليّ عليه السلام و ألمه في ظلمهم علي فاطمة بنت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، اما ليس في تحمّل هذه الامور الا الصبر في اللَّه تعالي و ارجاع الأمر إليه تعالي.







  1. مرآة العقول 322 - 321: 5، وراجع: الشافي في الإمامة 114:4.
  2. المصدران المتقدّمان.
  3. المصدران المتقدّمان.
  4. المصدران المتقدّمان.
  5. الکمد: الحزن الشديد.
  6. القيح: المدّة لا يخالطها دم.
  7. الهضم: الظلم والغصب.
  8. احفاء السؤال: استقصاؤه.
  9. وفي النهج روي الحديث إلي هنا مع تفاوت في بعض ألفاظه، فراجع الخطبة 202، ولفظ الحديث عن الکافي.
  10. اُصول الکافي 458:1.