لا مظلوم كعليّ











لا مظلوم کعليّ



لم يحدّثنا التاريخ عن مظلوم غُصب حقّه مثل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فرغم کلّ التوصيات الّتي أوصي بها النبيّ صلي الله عليه و آله اُمّته والّتي يحثّهم بها علي الاقتداء بعليّ عليه السلام، حتّي أنّ ابن مردويه أخرج عن ابن مسعود قال: کنّا نقرأ علي عهد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «يا أيّها الرسول بلغ ما اُنزل إليک من ربّک أنّ عليّاً مولي المؤمنين وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته، واللَّه يعصمک من النّاس».[1] .

رغم هذا وغيره نجد القوم قد تألّبوا علي الإمام عليه السلام بعد رحيل الرسول الأکرم وغصبوه حقّه وآذوا زوجته البتول سلام اللَّه عليها، وانتزعوا منها إرث النبيّ صلي الله عليه و آله اي فدکها، وهکذا أصبح اُسوة العلم والتقوي والفضيلة والکمال وهادي الاُمّة بعد نبيّها ودليلها إلي النور، جليس بيته لخمسٍ وعشرين سنة، ولم يسمحوا له أن ينير المجتمع البشري بنوره، وأن يروّج الإسلام المحمّدي الأصيل.

نعم، لقد صبر أمير المؤمنين عليه السلام للَّه، وتحمّل کلّ المظالم والمشاقّ لأجل بقاء الإسلام والقرآن، والحفاظ علي وحدة الاُمّة من التشتّت والتمزّق، فلنستمع إلي مظلوميّته بلسان النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله ولسان عليّ عليه السلام و غيرهما:

1- قال عليّ عليه السلام: «ما زلت مظلوماً منذ قبض اللَّه تعالي نبيّه إلي يوم النّاس».[2] .

2- عن مسيّب بن نجبة، قال: بينما عليّ عليه السلام يخطب، وأعرابيّ يقول: وامظلمتاه، فقال عليّ عليه السلام: «اُدن»، فدنا، فقال: «لقد ظُلمتُ عدد المدَر والوَبر.[3] [4] .

3- وجاء أعرابي يتخطّي فنادي: يا أمير المؤمنين، مظلوم. قال عليّ عليه السلام: «ويحک، وأنا مظلوم، ظُلمتُ عدد المدر والوبر».[5] .

4- وعن عمرو بن حريث، قال: انّ عليّاً عليه السلام لم يقم مرّة علي المنبر إلّا قال في آخر کلامه قبل أن ينزل: «ما زلت مظلوماً منذ قبض اللَّه نبيّه».[6] .

5- وکان أبو ذرّ رضي الله عنه يعبّر عن أمير المؤمنين عليه السلام بالشيخ المظلوم المضطهد حقّه.[7] .

6- روي الحافظ البخاري عن حبيب بن ثابت، عن ثعلبة بن يزيد الحماني، قال: قال النبيّ صلي الله عليه و آله لعليّ: «إنّ الاُمّة ستغدر بک».[8] .

7- أخرج الراوندي: أنّ أعرابيّاً أتي أمير المؤمنين عليه السلام وهو في المسجد، فقال: مظلوم، قال: «ادن منّي»، فدنا، فقال: يا أمير المؤمنين مظلوم، قال: «ادن»، فدنا حتّي وضع يده علي رکبتيه، قال: «ما ظلامتک؟»، فشکا ظلامته، فقال: «يا أعرابي، أنا أعظم ظلامة منک، ظلمني المدر والوبر، ولم يبق بيت من العرب إلّا وقد دخلت مظلمتي عليهم، وما زلت مظلوماً حتّي قعدت مقعدي هذا»، الحديث.[9] .

8- روي الحاکم النيشابوري: عن حيّان الأسدي: سمعت عليّاً يقول: «قال لي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: إنّ الاُمّة ستغدر بک بعدي، وأنت تعيش علي ملّتي، وتُتقل علي سنّتي، مَن أحبَّک أحبّني، ومَن أبغضک أبغَضني، وإنّ هذه سَتُخضب من هذا»، يعني ليحته من رأسه.[10] .

9- و أيضاً: بسنده عن زيد بن وهب، قال: قدم علي عليّ عليه السلام وفدٌ من أهل البصرة، وفيهم رجلٌ من الخوارج يُقال له: الجعد بن نعجة، فحمد اللَّه وأثني عليه وصلّي علي النبيّ صلي الله عليه و آله، ثمّ قال: اتّق اللَّه يا عليّ! فإنّک ميّت، فقال عليّ عليه السلام: «لا، ولکنّي مقتول ضربةً علي هذا تخضب هذه - قال: وأشار عليّ إلي رأسه ولحيته بيده - قضاءٌ مقضيّ، وعهد معهود، وقد خاب من افتري».

ثمّ عاب عليّاً في لباسه، فقال: «لو لبستَ لباساً خيراً من هذا»، فقال عليه السلام: «إنّ لباسي هذا أبعد لي من الکبر، وأجدر أن يقتدي بي المسلمون».[11] .

10- وفي (البحار) عن (کشف الغمّة): روي جابر بن عبداللَّه الأنصاري، قال: دخلت فاطمة عليهاالسلام علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وهو في سکرات الموت، فانکبّت عليه تبکي، ففتح عينه، وأفاق، ثمّ قال: «يا بنيّة، أنتِ المظلومة بعدي، وأنتِ المستضعفة بعدي، فمن آذاک فقد آذاني، ومن غاظک فقد غاظني، ومن سرّک فقد سرّني، ومن برّک فقد برّني، ومن جفاک فقد جفاني، ومن وصلک فقد وصلني، ومن قطعک فقد قطعني، ومن أنصفک فقد أنصفني، ومن ظلمک فقد ظلمني، لأنّک منّي وأنا منک، وأنت بضعة منّي وروحي الّتي بين جنبيّ». ثمّ قال صلي الله عليه و آله: «إلي اللَّه أشکو ظالميکِ من اُمّتي».

ثمّ دخل الحسن والحسين عليهماالسلام فانکبّا علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وهما يبکيان، ويقولان: «أنفسنا لنفسک الفداء يا رسول اللَّه»، فذهب عليّ عليه السلام لينحّيهما عنه، فرفع رأسه إليه ثمّ قال: دعهما - يا أخي - يشمّاني وأشمّهما، ويتزوّدان منّي وأتزوّد منهما، فإنّهما مقتولان بعدي ظلماً وعدواناً، فلعنة اللَّه علي مَن يقتلهما، ثمّ قال: «يا عليّ، أنت المظلوم بعدي، وأنا خصم لمن أنت خصمه يوم القيامة».[12] .







  1. تفسير الدرّ المنثور 298:2.
  2. سفينة البحار 108:2، مادة «ظلم»، وراجع الشافي في الإمامة سيد المرتضي 225 - 223: 3.
  3. المدر: قطع الطين اليابس، ويراد به سکنة الحواضر والمدن، والوبر: صوف الإبل والأرانب ونحوها، ويراد به سکنة البادية، أرد بقوله عليه السلام: إنّه ظلمني الجميع.
  4. سفينة البحار 108:2، مادة «ظلم»، وراجع الشافي في الإمامة سيد المرتضي 225 - 223: 3.
  5. سفينة البحار 108:2، مادة «ظلم»، وراجع الشافي في الإمامة سيد المرتضي 225 - 223: 3.
  6. سفينة البحار 108:2، مادة «ظلم»، وراجع الشافي في الإمامة سيد المرتضي 225 - 223: 3.
  7. سفينة البحار 108:2، مادة «ظلم»، وراجع الشافي في الإمامة سيد المرتضي 225 - 223: 3.
  8. التاريخ الکبير، ج 1، القسم الثاني، ص 174، ط حيدرآباد.
  9. الخرائج والجرائح 180:1.
  10. المستدرک 142:3.
  11. المصدر المتقدّم: 143.
  12. بحار الأنوار 76:28.