كشف الماء في مسيره إلي صفّين











کشف الماء في مسيره إلي صفّين



ما رواه في (کشف الغمّة): أنّه عليه السلام لمّا توجّه إلي صفّين واحتاج أصحابه إلي الماء، والتمسوه يميناً وشمالاً فلم يجدوه، بَهمَ أمير المؤمنين عليه السلام عن الجادّة قليلاً، فلاح لهم دير في البريّة، فسار وسأل من فيه عن الماء، فقال: بيننا وبين الماء فرسخان، وما هنا منه شي ء، وإنّما يجلب لي من بعد، واستعمله علي التقتير، ولولا ذلک لمتّ عطشاناً. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «اسمعوا ما يقول الراهب»، فقالوا: تأمرنا أن نسير إلي حيث أومأ إلينا، لعلّنا ندرک الماء وبنا قوّة، فقال عليه السلام: «لا حاجة بکم إلي ذلک»، ولوي عنق بغلته نحو القبلة، وأشار إلي مکان بقرب الدير أن اکشفوه، فکشفوه فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع. فقالوا: يا أمير المؤمنين، هنا صخرة لا تعمل فيها المساحي، فقال: «هذه الصخرة علي الماء، فاجتهدوا في قلعها، فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء»، فاجتمع القوم وراموا تحريکها فلم يجدوا إلي ذلک سبيلاً، واستصعبت عليهم، فلمّا رأي ذلک لوي رجله عن سرجه وحسر عن ساعده ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة، فحرّکها وقلعها بيده ودحا بها أذرعاً کثيرة، فظهر لهم الماء، فبادروه وشربوا، فکان أعذب ماء شربوه في سفرهم وأبرده وأصفاه، فقال: «تزوّدوا وارتووا»، ففعلوا، ثمّ جاء إلي الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث کانت، وأمر أن يعفي أثرها بالتراب.

والراهب ينظر من فوق ديره، يا قوم أنزلوني، فأنزلوه، فوقف بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا هذا أنت نبيّ مرسل؟ قال: «لا»، قال: فملک مقرّب؟ قال: «لا»، قال: فمن أنت؟ قال: «أنا وصيّ رسول اللَّه محمّد بن عبداللَّه خاتم النبيّين صلي الله عليه و آله»، قال: ابسط يدک علي يدي، أسلم علي يدک، فبسط أمير المؤمنين عليه السلام يده. وقال له: «اشهد الشهادتين»، فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه، وأشهد أنّک وصيّ رسول اللَّه وأحقّ النّاس بالأمر من بعده، فأخذ عليه شرائط الإسلام.

وقال له: «ما الّذي دعاک إلي الإسلام بعد إقامتک علي دينک طول المدّة؟». فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ هذا الدير بني علي طلب قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها، وقد مضي علي ذلک عالم قبلي لم يدرکوا ذلک فرزقنيه اللَّه عزّ وجلّ، إنّا نجد في کتبنا ونأثر علي علمائنا أنّ في هذا الموضع عيناً عليها صخرة، لا يعرفها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ، وأنّه لا بدّ من وليّ اللَّه يدعو إلي الحقّ آيته معرفة مکان هذه الصخرة، وقدرته علي قلعها، ولمّا رأيتک قد فعلت ذلک تحقّقت ما کنّا ننتظره وبلغت الامنيّة، وأنا اليوم مسلم علي يدک ومؤمن بحقّک ومولاک.

فلمّا سمع أمير المؤمنين ذلک بکي حتّي اخضلّت لحيته من الدموع، وقال: «الحمد للَّه الّذي لم أکن عنده منسيّاً، الحمد للَّه الّذي کنت في کتبه مذکوراً»، ثمّ دعا النّاس، فقال: «اسمعوا ما يقول أخوکم المسلم»، فسمعوا وحمدوا اللَّه وشکروه؛ إذ ألهمهم أمير المؤمنين عليه السلام. وسار والراهب بين يديه وقاتل معه أهل الشام واستشهد، فتولّي أمير المؤمنين عليه السلام الصلاة عليه ودفنه، وأکثر من الاستغفار له، وکان إذا ذکره يقول: «ذاک مولاي».[1] .







  1. کشف الغمّة - باب المناقب 384:1، وفي الخرائج والجرائح 222:1، نحوه.