اخباره عن أمر الخوارج بالنهروان











اخباره عن أمر الخوارج بالنهروان



في النهج، قال عليّ عليه السلام - لمّا عزم علي حرب الخوارج وقيل له: إنّ القوم قد عبروا جسر النهروان -: «مصارعُهُم دونَ النطفةِ، واللَّهِ لا يُفلِتُ منهم عشرةٌ، ولا يَهلکُ منکم عشرةً».[1] .

قال ابن أبي الحديد في شرحه: هذا الخبر من الأخبار الّتي تکاد تکون متواترة؛ لاشتهاره ونقل النّاس کافّة له، وهو من معجزاته وأخباره المفصّلة عن الغيوب، والأخبار علي قسمين:

أحدهما: الأخبار المجملة ولا إعجاز فيها، نحو أن يقول الرجل لأصحابه: إنّکم ستنصرون علي هذه الفئة الّتي تلقونها غداً، فإن نصر جعل ذلک حجّة له عند أصحابه، وسمّاها معجزة، وإن لم يُنصر، قال لهم: تغيّرت نيّاتکم وشککتم في قولي، فمنعکم اللَّه نصره، ونحو ذلک من القول؛ ولأنّه قد جرت العادة أنّ الملوک والرؤساء يعدون أصحابهم بالظفر والنصر، ويمنّونهم الدول، فلا يدلّ وقوع ما يقع من ذلک علي إخبار عن غيب يتضمّن إعجازاً.

والقسم الثاني: في الأخبار المفصّلة عن الغيوب، مثل هذا الخبر، فإنّه لا يحتمل التلبيس؛ لتقييده بالعدد المعيّن في أصحابه وفي الخوارج، ووقوع الأمر بعد الحرب بموجبه، من غير زيادة ولا نقصان، وذلک أمر إلهي عرفه من جهة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وعرفه رسول اللَّه من جهة اللَّه سبحانه، والقوّة البشريّة تقصر عن إدراک مثل هذا، ولقد کان له من هذا الباب ما لم يکن لغيره.[2] .

وقال ابن أبي الحديد أيضاً بسند آخر والعلّامة الإربلي: لمّا خرج عليّ عليه السلام إلي أهل النهر، أقبل رجل من أصحابه ممّن کان علي مقدّمته يرکض، حتّي انتهي إلي عليّ عليه السلام، فقال: البشري يا أمير المؤمنين، قال: «ما بُشراک؟»، قال: إنّ القوم عبروا النهر لمّا بلغهم وصولک، فأبشر، فقد منحک اللَّه أکتافهم، فقال له: «آللَّه أنت رأيتهم قد عبروا»، قال: نعم، فأحلفه ثلاث مرّات، في کلّها يقول: نعم، فقال عليّ عليه السلام: «واللَّه ما عبروه ولن يعبروه، وإنّ مصارعهم لدُون النطفة، والّذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، لن يبلغوا الأثلات ولا قصر بوازن، حتّي يقتلهم اللَّه، وقد خاب من افتري».

قال: ثمّ أقبل فارس آخر يرکضُ فقال کقول الأوّل، فلم يکترث عليّ عليه السلام بقوله، وجاءت الفرسان ترکض کلّها تقول مثل ذلک [فقال: «فلا يبقي منهم إلّا أقلّ من عشرة، ولا يقتل من أصحابي إلّا أقلّ من عشرة»].

فقام عليّ عليه السلام فجال في متن فرسه، قال: فيقول شاب من النّاس: واللَّه! لأکوننّ قريباً منه، فإن کانوا عبروا النهر لأجعلنّ سِنانَ هذا الرمح في عينه، أيدّعي علم الغيب؟ فلمّا انتهي عليه السلام إلي النهر وجد القوم قد کسروا جفونَ سيوفهم، وعرقَبوا خيلهم، وجَثوا علي رُکَبهم، وحکّموا تحکيمة واحدة بصوت عظيم له زَجل، فنزل ذلک الشاب فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي کنت شککت فيک آنفاً، وإنّي تائب إلي اللَّه وإليک، فاغفر لي. فقال عليّ عليه السلام: «إنّ اللَّه هو الّذي يغفر الذنوب، فاستغفره».[3] .







  1. نهج البلاغة: الخطبة 59، وقال السيّد الرضي رحمه الله يعني بالنطفة ماء النهر، وهي أفصح کناية عن الماء، وإن کان کثيراً جمّاً.
  2. شرح ابن أبي الحديد 3:5.
  3. شرح ابن أبي الحديد 271:2، وکشف الغمّة - باب المناقب 375:1، اللفظ من ابن أبي الحديد، وما بين المعقوفين من کشف الغمّة.