نظرة في المعجزة والكرامة











نظرة في المعجزة والکرامة



الإعجاز: أن يأتي الإنسان بشي ءٍ يُعجز خصمه ويقصر دونه.[1] .

وفي الاصطلاح: ثبوت ما ليس بمعتاد، أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوي.[2] .

والکرامة في الاصطلاح: ما صدر عن الإنسان ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة بلا دعوي له.

فالمعجزة والکرامة في أمر خارق العادة مشترکة إنّما التمايز بينهما في مطابقته للدعوي وعدمه. فإطلاق الإعجاز بحسب الاصطلاح فيما إذا وقع خارق العادة عقيب دعوي النبوّة بعنوان شاهد صدق لدعواه، ولذا اشترط العلماء التحدّي في إطلاق الإعجاز، وأمّا إذا لم يکن له دعوي أصلاً فإنّه کرامة نحو ما يظهر من الأولياء والصلحاء من دون دعوي النبوّة أو الإمامة.

فعلي هذا التعريف، فما صدر من خوارق العادة عن أمير المؤمنين عليه السلام، وکذا سائر الأئمّة المعصومين عليهم السلام إن کان بداعي إثبات الإمامة فهو معجزة، وإلّا يطلق عليه الکرامة، وهما - أعني المعجزة والکرامة - صدرتا عن الأئمّة عليهم السلام، وقد ذکر المحدّث البحراني في (مدينة المعاجز) (555) کرامة ومعجزة لمولانا أمير المؤمنين. وفي (إثبات الهداة) اکتفي بذکر (507) معجزة وکرامة، وهذه الأخبار فوق التواتر تجعل أصل القضيّة ثابتاً ومحرزاً، وإن قُدح في سند بعضها.

وقد ادّعي مشهور علماء الإماميّة وغيرهم في ظهور المعجزات علي يد المعصومين عليهم السلام، ولکن بعضهم يعتقدون بأنّ المعجزة من مختصّات الأنبياء (صلوات اللَّه عليهم) وللمعصومين والأولياء والصلحاء الکرامة لا المعجزة بدعوي أنّ المعجزة هي أمر خارق للعادة، وهي تقترن عادة بدعوي النبوّة، أي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله يأتي بالمعجزة کدليل حيّ يعضد قوله، ويؤيّد صدق دعواه بأنّه مرسل من قِبل اللَّه تعالي، کما أنّ المعجزة قد تقترن بالتحدّي ودعوة الآخرين إلي المواجهة والمعارضة. أمّا الکرامة، فإنّها عبارة عن أعمال خارقة للعادة وإخبار عن المستقبل، وتصدر هذه الأقوال والأفعال عن الإمام المعصوم غير أنّها لا تقترن بادّعاء الإمامة، کما أنّها لا تحدّي فيها؛ لأنّ الإمامة تثبت عن طريق آخر، وهو نصب النبيّ للإمام، فلا حاجة هنا للمعجزة.

قال العلّامة الإربلي عن ابن طلحة: إعلم - أکرمک اللَّه بالهداية إليه - أنّ الکرامة عبارة عن حالة تصدر لذي التکليف خارقة للعادة لا يؤمر بإظهارها، وبهذا القيد يظهر الفرق بينها وبين المعجزة، فإنّ المعجزة مأمور بإظهارها؛ لکونها دليل صدق النبيّ صلي الله عليه و آله في دعواه النبوّة، فالمعجزة مختصّة بالنبيّ ملازمة له؛ إذ لا بدّ له منها، فلا نبيّ إلّا وله معجزة، والکرامة مختصّة بالوليّ إکراماً له، لکن ليست لازمة له؛ إذ توجد الولاية من غير کرامة، فکم من وليّ لم يصدر عنه شي ء من الخوارق.

ثمّ قال: إذا عرفت هذه المقدّمة، فقد کان عليّ عليه السلام من أولياء اللَّه تعالي، وکان له کرامات صدرت خارقة للعادة أکرمه اللَّه بها.[3] .

وکيف کان فالنزاع لفظي، وإليک نصّ کلام المحقّق البارع الشيخ المفيد في کتاب (أوائل المقالات في المذاهب والمختارات): فأمّا ظهور المعجزات علي الأئمّة والأعلام، فإنه من الممکن الّذي ليس بواجب عقلاً ولا يمتنع قياساً، وقد جاءت بکونه منهم عليهم السلام الأخبار علي التظاهر والانتشار، قطعت عليه من جهة السمع وصحيح الآثار، ومعي في هذا الباب جمهور أهل الإمامة، وبنو نوبخت تخالف فيه وتأباه، وکثير من المنتمين إلي الإماميّه يوجبونه عقلاً، کما يوجبونه للأنبياء عليهم السلام، والمعتزلة بأسرها علي خلافنا جميعاً فيه سوي ابن الإخشيد ومن تبعه، فإنّهم يذهبون فيه إلي الجواز، وأصحاب الحديث کافّة تجوّزه لکلّ صالح من أهل التُّقي والإيمان.

ثمّ قال: القول في ظهور المعجزات علي المعصومين[4] من الخاصّة والسفراء والأبواب، أقول: إنّ ذلک جائز لا يمنع منه عقل ولا سنّة ولا کتاب، وهو مذهب جماعة من مشايخ الإماميّة وإليه يذهب ابن الإخشيد من المعتزلة وأصحاب الحديث في الصالحين والأبرار، وبنو نوبخت من الإماميّة يمتنعون من ذلک، ويوافقون المعتزلة في الخلاف علينا فيه، ويجامعهم علي ذلک الزيديّة، والخوارج المارقة من الإسلام، انتهي.[5] .

وقال العلّامة المجلسي: والحقّ أنّ المعجزات الجارية علي أيدي غير الأئمّة عليهم السلام من أصحابهم ونوّابهم إنّما هي معجزات تظهر علي أيدي اُولئک السفراء لبيان صدقهم.[6] .







  1. مجمع البحرين 24:4.
  2. تجريد الاعتقاد: 350، وانظر الإلهيّات 214:2.
  3. کشف الغمّة - باب المناقب 375:1.
  4. مراده رحمه الله بالمعصومين هنا، غير المعني المصطلح.
  5. أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: 407.
  6. البحار 31:27.