قضاؤه بما أنزل اللَّه في امرأة زانية











قضاؤه بما أنزل اللَّه في امرأة زانية



في (الکافي): عن عليّ بن إبراهيم، وفي (التهذيب) عن الحسن بن محبوب، بإسنادهما عن أبي بصير، عن عمران بن ميثم - أو صالح بن ميثم - عن أبيه، قال: أتت امرأة مجحٌ[1] أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: يا أمير المؤمنين، إنّي زنيت فطهّرني طهّرک اللَّه، فإنّ عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الّذي لا ينقطع، فقال لها: «ممّا اُطهّرک؟»، فقالت: إنّي زنيت، فقال لها: «أو ذات بعل أنتِ، أم غير ذلک؟»، فقالت: بل ذات بعل، فقال لها: «أفحاضراً کان بعلک إذ فعلت ما فعلت، أم غائباً کان عنک؟»، فقالت: بل حاضراً.

فقال لها: «انطلقي فضعي ما في بطنک، ثمّ ائتني اُطهّرک»، فلمّا ولّت عنه المرأة فصارت حيث لا تسمع کلامه، قال: «اللّهمّ إنّها شهادة»، فلم يلبث أن أتته، فقالت: قد وضعت فطهّرني، قال: فتجاهل عليها، فقال: «اُطهّرک يا أمة اللَّه ممّا ذا؟»، فقالت: إنّي زنيت فطهّرني، فقال: «وذات بعل إذ فعلت ما فعلت؟، قالت: نعم، قال: «وکان زوجک حاضراً أم غائباً؟»، قالت: بل حاضراً، قال عليه السلام: «فانطلقي وارضعيه حولين کاملين کما أمرک اللَّه».[2] .

قال: فانصرفت المرأة، فلمّا صارت من حيث لا تسمع کلامه، قال [عليّ عليه السلام]: «اللّهمّ إنّهما شهادتان»، قال: فلمّا مضي حولان أتت المرأة، فقالت: قد أرضعته حولين فطهّرني يا أمير المؤمنين، فتجاهل عليها وقال: «اُطهّرک ممّا ذا؟»، فقالت: إنّي زنيت فطهّرني.

قال عليه السلام: «وذات بعل إذ فعلت ما فعلت؟»، فقالت: نعم، قال عليه السلام: «وبعلک غائب عنک إذ فعلت ما فعلت أو حاضر؟»، قالت: بل حاضر، قال عليه السلام: «فانطلقي فاکفليه حتّي يعقل أن يأکل ويشرب، ولا يتردّي من سطح، ولا يتهوّر في بئر»، قال: فانصرفت وهي تبکي، فلمّا ولّت فصارت حيث لا تسمع کلامه، قال عليه السلام: «اللّهم إنّها ثلاث شهادات».[3] .

قال: فاستقبلها عمرو بن حريث المخزومي، فقال لها: ما يبکيک - يا أمة اللَّه - وقد رأيتک تختلفين إلي عليّ تسألينه أن يطهّرک؟ فقالت: إنّي أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فسألته أن يطهّرني، فقال: «اکفلي ولدک حتّي يعقل أن يأکل ويشرب، ولا يتردّي من سطح، ولا يتهوّر في بئر»، وقد خفت أن يأتي علَيَّ الموت ولم يطهّرني.

فقال لها عمرو بن حريث: ارجعي إليه، فأنا أکفله، فرجعت فأخبرت أمير المؤمنين عليه السلام يقول عمرو بن حريث، فقال لها أمير المؤمنين وهو متجاهل عليها: «ولِمَ يکفل عمرو ولدک؟»، فقالت: يا أمير المؤمنين، إنّي زنيت فطهّرني، فقال: «وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟»، قالت: نعم، قال عليه السلام: «أفغائباً کان بعلک إذ فعلت أم حاضراً؟»، فقالت: بل حاضراً.

قال: فرفع رأسه إلي السماء وقال: «اللّهمّ إنّه قد ثبت لک عليها أربع شهادات، وإنّک قد قلت لنبيّک صلي الله عليه و آله فيما أخبرته به من دينک: يا محمّد، مَن عطّل حدّاً من حدودي فقد عاندني، وطلب بذلک مضادّتي، اللّهمّ فإنّي غير معطّل حدودک، ولا طالب مضادّتک، ولا مضيّع لأحکامک، بل مطيع لک ومتّبع سنّة نبيّک».

قال: فنظر إليه عمرو بن حريث وکأنّما الرمان يفقأ في وجهه، فلمّا رأي ذلک عمرو، قال: يا أمير المؤمنين، إنّني إنّما أردت أکفله إذ ظنتت أنّک تحبّ ذلک، فأمّا إذا کرهته فإنّي لست أفعل؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «أبعد أربع شهادات باللَّه؟ لتکفلنّه وأنت صاغر»، فصعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر، فقال: «يا قنبر، ناد في النّاس الصلاة جامعة».

فنادي قنبر في النّاس، فاجتمعوا حتّي غصّ المسجد بأهله، وقام أمير المؤمنين عليه السلام فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: «أيّها النّاس، إنّ إمامکم خارج بهذه المرأة إلي الظهر ليقيم عليها الحدّ - إن شاء اللَّه - فعزم عليکم أمير المؤمنين لمّا خرجتم وأنتم متنکّرون ومعکم أحجارکم لا يتعرّف أحد منکم إلي أحد حتّي تنصرفوا إلي منازلکم إن شاء اللَّه»، قال: ثمّ نزل فلمّا أصبح النّاس بکرة خرج بالمرأة وخرج النّاس متنکّرين متلثّمين[4] بعمائمهم وبأرديتهم والحجارة في أرديتهم وفي أکمامهم، حتّي انتهي بها والنّاس معه إلي الظهر بالکوفة، فأمر أن يحفر لها حفيرة، ثمّ دفنها فيها، ثمّ رکب بغلته وأثبت رجليه في غرز[5] الرکاب، ثمّ وضع اصبعيه السبّابتين في اُذنيه، ثمّ نادي بأعلي صوته: «يا أيّها النّاس، انّ اللَّه تبارک وتعالي عهد إلي نبيّه صلي الله عليه و آله عهداً، عهده محمّد صلي الله عليه و آله إلَيَّ بأنّه لا يقيم الحدّ مَن للَّه عليه حدّ، فمن کان عليه حدّ مثل ما عليها فلا يقيم عليها الحدّ؟».

قال: فانصرف النّاس يومئذٍ کلّهم ما خلا أمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهماالسلام، فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحدّ يومئذٍ وما معهم غيرهم. قال: وانصرف فيمن انصرف يومئذٍ محمّد ابن أمير المؤمنين عليه السلام.[6] .

لا يخفي ان مراده عليه السلام: «لا يقيم الحد مَن للَّه عليه حدّ»، ليس الحد الزّنا أو حد الواط مثلاً بل المراد اعم منهما.







  1. المجح: الحامل المقرب الّتي دنت ولادلتها.
  2. قال تعالي: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ کَامِلَيْنِ» سورة البقرة: 232.
  3. لا يخفي أنّ هذه التأخيرات قبل ثبوت الزنا بالإقرار الأربعة، وأمّا بعد ثبوته لا يؤخّر الحدّ.
  4. اللثام: ما کان علي الفم من النقاب.
  5. الغرز: الرکاب من الجلد.
  6. فروع الکافي 185:7، والتهذيب 9:10.