قضاؤه بما قضاه داود النبيّ في جماعة اتّهموا بقتل رفيقهم











قضاؤه بما قضاه داود النبيّ في جماعة اتّهموا بقتل رفيقهم



روي شيخ الطائفة أبوجعفر الطوسي، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: دخل عليّ عليه السلام المسجد فاستقبله شاب وهو يبکي وحوله قوم يسکّتونه، فقال عليّ عليه السلام: ما يبکيک؟

فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ شريحاً قضي علَيَّ بقضيّة ما أدري ما هي، إنّ هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في سفر، فرجعوا ولم يرجع أبي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله، فقالوا: ما ترک مالاً، فقدّمتهم إلي شريح فاستحلفهم، وقد علمت - يا أمير المؤمنين - أنّ أبي خرج ومعه مال کثير.

فقال لهم أمير المؤمنين: «ارجعوا»، فردّهم جميعاً والفتي معهم إلي شريح، فقال له: «يا شريح، کيف قضيت بين هؤلاء؟»، فقال: يا أمير المؤمنين، ادّعي هذا الفتي علي هؤلاء النفر أنّهم خرجوا في سفر وأبوه معهم، فرجعوا ولم يرجع أبوه، فسألهم عنه فقالوا مات. فسألهم عن ماله، فقالوا: ما خلّف مالاً، فقلت للفتي: هل لک بيّنة علي ما تدّعي؟ فقال: لا، فاستحلفتهم.

فقال عليّ عليه السلام: «يا شريح، هکذا تحکم في مثل هذا؟»، فقال: کيف کان هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «لأحکمن فيهم بحکم ما حکم به إلّا داود النبيّ عليه السلام. يا قنبر، ادع شرطة الخميس»، فدعاهم فوکّل بکلّ واحد منهم رجلاً من الشرطة، ثمّ نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلي وجوهههم، فقال: «ماذا تقولون؟ أتقولون: إنّي لا أعلم ما صنعتم بأب هذا الفتي، إنّي إذن لجاهل - ثمّ قال: - فرّقوهم وغطّوا رؤوسهم».

قال: ففرّق بينهم، واُقيم کلّ واحد منهم إلي اسطوانة من أساطين المسجد، ورؤوسهم مغطّاة بثيابهم، ثمّ دعا عبيداللَّه بن أبي رافع کاتبه، فقال: «هات صحيفة ودواة»، وجلس عليّ عليه السلام في مجلس القضاء، واجتمع النّاس، فقال: «إذاکبّرت فکبّروا»، ثمّ قال للنّاس: افرجوا.

ثمّ دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه وکشف عن وجهه، ثمّ قال لعبيد اللَّه: «اکتب إقراره وما يقول»، ثمّ أقبل عليه بالسؤال، فقال: «في أيّ يوم خرجتم من منازلکم وأبو هذا الفتي معکم؟»، فقال الرجل في يوم کذا وکذا، فقال: «في أي شهر؟»، فقال: في شهر کذا وکذا، فقال: «في أيّ سنة؟»، قال: في سنة کذا وکذا، قال: «وأين بلغتم من سفرکم حين مات أبو هذا الفتي؟»، فقال: إلي موضع کذا وکذا.

قال: «في منزل من مات؟»، قال: في منزل فلان ابن فلان، فقال: «ما کان مرضه؟»، قال: کذا وکذا، قال: «کم يوماً مرض؟»، فقال: يکون في کذا کذا يوماً، قال: فمن کان يمرّضه؟ وفي أيّ يوم مات؟ ومن غسّله، وأين غسلّه، ومن کفّنه، وبما کفّنتموه، ومَن صلّي عليه؟ ومَن نزل في قبره؟».

فلمّا سأله عن جميع ما يريد کبّر عليّ عليه السلام وکبّر النّاس، فارتاب اُولئک الباقون، ولم يشکّوا أنّ صاحبهم قد أقرّ عليهم وعلي نفسه، فأمر أن يغطّي رأسه، وأن ينطلق به إلي الحبس، ثمّ دعا بالآخر فأجلسه بين يديه، وکشف عن وجهه، ثمّ قال: «کلّا، زعمت أنّي لا أعلم ما صنعتم». فقال: يا أمير المؤمنين، ما أنا إلّا واحد من القوم، ولقد کنت کارهاً لقتله، فأقرّ، ثمّ دعا بواحد بعد واحد فکلّهم يقرّ بالقتل وأخذ المال، ثمّ ردّ الّذي کان أمر به إلي الحبس فأقرّ أيضاً، فألزمهم المال والدم، فقال شريح: فکيف کان حکم داود عليه السلام؟

فقال: «إنّ داود عليه السلام مرّ بغلمة يلعبون وينادون بعضهم: مات الدين، فدعا منهم غلاماً فقال: يا غلام، ما اسمک؟ فقال: اسمي مات الدين.

فقال له داود عليه السلام: مَن سمّاک بهذا الاسم؟ فقال: اُمّي، فانطلق إلي اُمّه فقال لها: يا امرأة، ما اسم ابنک هذا؟ فقالت: مات الدين. فقال لها: ومن سمّاه بهذا الاسم؟ قالت: أبوه.

قال: وکيف کان ذلک؟ قالت: إنّ أباه خرج في سفر له ومعه قومه، وهذا الصبي حمل في بطني، فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، قلت: فأين ما ترک؟ قالوا: لم يخلف مالاً، فقلت: أوصاکم بوصيّة؟ فقالوا: نعم، زعم أنّک حبلي، فما ولدت من ولد ذکر أو اُنثي فسمّيه مات الدين، فسمّيته.

فقال: وتعرفين القوم الّذين کانوا خرجوا مع زوجک؟ قالت: نعم، فاحياءٌ هم أم أموات؟ فقالت: بل أحياء، قال: فانطلقي بنا إليهم»، ثم مضي معها فاستخرجهم من منازلهم، فحکم بينهم بهذا الحکم، فثبت عليهم المال والدم، ثمّ قال للمرأة: سمّي ابنک عاش الدين.

ثمّ انّ الفتي والقوم اختلفوا في مال أبي الفتي کم کان، فأخذ عليّ عليه السلام خاتمه وجمع خواتيم عدّة، ثمّ قال: أجيلوا هذه السهام، فأيّکم أخرج خاتمي فهو الصادق في دعواه لأنّه سهم اللَّه عزّ وجلّ وهو لا يخيب».[1] .

وفي (الکافي) روي الواقعة عن الأصبغ بن نباتة أيضاً اختصاراً.[2] .







  1. التهذيب 316:6، والفقيه 24:3، وراجع الکافي 371:7.
  2. الکافي 373:7.