قضائه في قصّة الأرغفة قضاء رياضي











قضائه في قصّة الأرغفة قضاء رياضي



روي الحافظ ابن عبدالبرّ في (الاستيعاب)، وکذا العلّامة السيوطي في (تاريخ الخلفاء)، وکذا المولي عليّ المتّقي الهندي في (کنز العمّال)، ومحبّ الدين الطبري في (ذخائر العقبي)، والعلّامة الصفوري الشافعي في (نزهة المجالس)، وابن حجر العسقلاني في (الصواعق المحرقة)، والمحدّث البدخشي في (مفتاح النجا)، والقندوزي في (ينابيع المودّة) کلّهم بسندهم عن زرّ بن حُبيش، وکذا علماء الخاصّة في کتبهم رووا بسندهم قالوا: جلس رجلان يتغدّيان، مع أحدهما خمسة أرغفة خبز، ومع الآخر ثلاثة أرغفة، فلمّا وضعا الغداء بين أيديهما مرّ بهما رجل فسلّم، فقالا: اجلس للغداء، فجلس وأکل معهما واستووا في أکلهم الأرغفة الثمانية، فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم، وقال: خُذا هذا عوضاً ممّا أکلت، ونلت من طعامکما، فتنازعا فقال صاحب الأرغفة الخمسة: لي خمسة دراهم، ولک ثلاثة. فقال صاحب الأرغفة الثلاثة: لا أرضي إلّا أن تکون الدراهم بيننا نصفين، فارتفعا إلي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقصّا عليه قصّتهما، فقال لصاحب الثلاثة الأرغفة: «قد عرض عليک صاحبک ما عرض، وخبزه أکثر من خبزک فارض بالثلاثة»، فقال: لا واللَّه لا رضيت منه إلّا بمرّ الحقّ، فقال عليّ عليه السلام: «ليس لک في مرّ الحقّ إلّا درهم واحد وله سبعة».

فقال الرجل: سبحان اللَّه - يا أمير المؤمنين - هو يعرض علَيَّ ثلاثة فلم أرض، وأشرت علَيَّ بأخذها فلم أرض، وتقول لي الآن: إنّه لا يجب لک في مرّ الحقّ إلّا درهم واحد؟! فقال له عليّ عليه السلام: «عرض عليک الثلاثة صلحاً، فقلت: لم أرض إلّا بمرّ الحقّ، ولا يجب لک بمرّ الحقّ إلّا واحد». فقال الرجل: فعرّفني بالوجه في مرّ الحقّ حتّي أقبله.

فقال عليّ عليه السلام: «أليس للثمانية الأرغفة أربعة وعشرين ثلثاً، أکلتموها وأنتم ثلاثة أنفس، ولا يُعلم الأکثر أکلاً منکم ولا الأقلّ، فتحملون في أکلکم علي السواء؟»، قال: بلي. قال: «فأکلت أنت ثمانية أثلاث، وإنّما لک تسعة أثلاث، وأکل صاحبک ثمانية أثلاث وله خمسة عشر ثلثاً، أکل منها ثمانية، ويبقي له سبعة، وأکل لک واحداً من تسعة، فلک واحد بواحدک، وله سبعة بسبعته»، فقال الرجل: رضيت الآن.[1] .

فهذه المسألة لو أجاب عنها أمهر رجل في الحساب بعد طول الفکرة والروية وأصاب فيها لکان له الفخر، فکيف بمن يجيب عنها علي البديهة والارتجال؟







  1. الاستيعاب بهامش الإصابة 41:3، وفي ذخائر العقبي للطبري: 84، ونزهة المجالس للصفوري 211:2، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 142، وکنز العمّال للعلّامة الهندي 837:5، ح 14512، وغيرهم.