قصة تجسّس عمر بن الخطّاب علي امرأة ورجل











قصة تجسّس عمر بن الخطّاب علي امرأة ورجل



بعد ما مرّ منّا من قضايا عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقول عمر: لولا عليّ لهلک عمر، نذکر قضيّة عمر في عسّه وتجسّسه استطراداً، فإنّها ظريفة وجديرة بالنقل، والقضيّة منقولة في کتب العامّة علي نحو متفاوت في المتن نذکر فيما يلي بعض رواياتها:

1- في (الغدير) عن شهاب الدين في المستطرفات، قال: خرج عمر بن الخطّاب في ليلة مظلمة، فرأي في بعض البيوت ضوء سراج، وسمع حديثاً، فوقف علي الباب يتجسّس، فرأي عبداً أسود قدّامه إناءٌ فيه مِزرٌ وهو يشرب، ومعه جماعة، فهمّ بالدخول من الباب فلم يقدر من تحصين البيت، فتسوّر علي السطح ونزل إليهم من الدرجة ومعه الدرّة، فلمّا رأوه قاموا وفتحوا الباب وانهزموا، فمسک الأسود، فقال له: يا أمير المؤمنين، قد أخطأت وإنّي تائب، فاقبل توبتي. فقال: اُريد أن أضربک علي خطيئتک. فقال: يا أمير المؤمنين، إن کنت قد أخطأت في واحدة، فأنت قد أخطأ في ثلاث: فإنّ اللَّه تعالي قال: «وَلَا تَجَسَّسُوا»[1] وأنت تجسّست، وقال تعالي: «وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن أَبْوَابِهِا»[2] وأنت أتيت من السطح، وقال تعالي: «لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِکُمْ حَتَّي تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَي أَهْلِهَا»[3] وأنت دخلت وما سلّمت، الحديث.[4] .

2- و عن أبن أبي الحديد، قيل: انّ عمر بن الخطّاب کان يعسّ باليل، فسمع صوت رجل و امرأة في بيت، فارتاب فتسوّر الحائط، فوجد امرأة و رجلاً عندهما زِقّ خمر، فقال: يا عدوّ اللَّه، أکنت تري أنّ اللَّه يسترک وأنت علي معصيته؟! قال: يا اميرالمؤمنين، إن کنتُ أخطأت في واحدة، فقد أخطأت في ثلاث: قال اللَّه تعالي: «وَلَا تَجَسَّسُوا»، وقد تَجسَّستَ، وقال: «وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن أَبْوَابِهِا»، وقد تَسَّوتَ، وقال: «فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا»[5] و ما سَلّمتَ. فقال عمر: هل عندک من خير إن عفوتُ عنک؟ قال: نعم، واللَّه لا أعود، فقال: اذهب فقد عفوت عنک.[6] .

و قال العلّامة الأميني: والعجب من بعض العامّة أنّهم جعلوا هذه القضيّة مکرمة لعمر بن الخطّاب، منهم ابن الجوزي، فإنّه عدّ هذه القضيّة من مناقب عمر، وتبعه شاعر النيل حافظ إبراهيم ونظمها في قصيدته العمريّة، فقال تحت عنوان: مثال رجوعه إلي الحقّ.


وفتية ولعوا بالراح فانتبذوا
لهم مکاناً وجدّوا في تعاطيها


ظهرت حائطهم لمّا علمت بهم
والليل معتکر الأرجاء ساجيها


إلي آخر أشعاره.[7] .







  1. سورة الحجرات: 12.
  2. سورة البقرة: 189.
  3. سورةالنور: 27.
  4. المستطرف لشهاب الدين 115:2، نقلاً عن الغدير 121:6.
  5. سورة النور: 61.
  6. الغدير 121: 6 نقلاً عن الرياض النضرة 46: 2.
  7. الرياض النضرة 26:3، وشرح ابن أبي الحديد 61:1، و96:3، والدرّ المنثور 93:6، والفتوحات الإسلاميّة 477:2، نقلاً عن الغدير 122 - 121:6.