قضاؤه في عهد أبي بكر











قضاؤه في عهد أبي بکر



اعلم أنّ قضاءه عليه السلام في عهد أبي بکر علي ما وصل إلينا قليل، ولعلّ هذا من جهة قلّة سنين حکومة أبي بکر أو لقلّة وقوع النزاع في عهده، أو لأمر آخر، واللَّه العالم، وعلي أي حال نشير إلي ثلاثة موارد منها:

1- روي الخاصّة والعامّة: أنّ أبا بکر أراد أن يقيم الحدّ علي رجل يشرب الخمر، فقال الرجل: إنّي شربتها ولا علم لي بتحريمها، فارتجّ عليه، فأرسل إلي عليّ عليه السلام يسأله عن ذلک. فقال: «مُرْ ثقتين من رجال المسلمين يطوفان به علي مجالس المهاجرين والأنصار، ويُنشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم، أو أخبره بذلک عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فإن شهد بذلک رجلان منهم فأقم الحدّ عليه، وإن لم يشهد أحد بذلک فاستتبه وخلّ سبيله»، وکان الرجل صادقاً في مقاله، فخلّي سبيله.[1] .

2- وروي الشيخ الطوسي عن ابن بکير، ومحمّد بن يعقوب الکليني، عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: «شرب رجل علي عهد أبي بکر خمراً، فرفع إلي أبي بکر، فقال له: أشربت خمراً؟ قال: نعم، ولِمَ، وهي محرّمة؟ قال: فقال له الرجل: إنّي أسلمت وحسن إسلامي، ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلّون، ولو علمت أنّها حرام اجتنبتها. فالتفت أبو بکر إلي عمر، قال: فقال: ما تقول في أمر هذا الرجل؟ قال عمر: معضلة وليس لها إلّا أبو الحسن، فقال أبو بکر: ادع لنا عليّاً. فقال عمر: يؤتي الحَکَم في بيته، فقاما والرجل معهما ومن حضرهما من النّاس حتّي أتوا أمير المؤمنين عليه السلام، فأخبراه بقصّة الرجل، وقصّ الرجل قصّته، فقال عليه السلام:[2] «ابعثوا معه من يدور به علي مجالس المهاجرين والأنصار، مَن کان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه»، ففعلوا ذلک، فلم يشهد عليه أحد قرأ عليه آية التحريم، فخلّي عنه، وقال له: «إن شربت بعدها أقمنا عليک الحدّ».[3] .

وزاد في الکافي: ففعل أبو بکر بالرجل ما قال عليّ عليه السلام، فلم يشهد عليه أحد، فخلّي سبيله. فقال سلمان لعليّ عليه السلام: لقد أرشدتهم. فقال عليّ عليه السلام: «إنّما أردت أن اُجدّد تأکيد هذه الآية فيّ وفيهم: «أَفَمَن يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَن لَا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَي فَمَا لَکُمْ کَيْفَ تَحْکُمُونَ».[4] .

3- وفي (المناقب): سأل رسول ملک الروم أبا بکر عن رجل لا يرجو الجنّة ولا يخاف النّار، ولا يخاف اللَّه، ولا يرکع ولا يسجد، ويأکل الميتة والدم، ويشهد بما لا يري، ويحبّ الفتنة ويبغض الحقّ، فلم يجبه. فقال عمر: ازددت کفراً إلي کفرک. فأخبر بذلک عليّ عليه السلام فقال: «هذا رجل من أولياء اللَّه لا يرجو الجنّة، ولا يخاف النّار، ولکن يخاف اللَّه، ولا يخاف اللَّه من ظلمه وإنّما يخاف من عدله، ولا يرکع ولا يسجد في صلاة الجنازة، ويأکل الجراد والسمک، ويأکل الکبد، ويحبّ المال والولد «أَنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلاَدُکُمْ فِتْنَةٌ»[5] ويشهد بالجنّة والنّار وهو لم يرهما، ويکره الموت وهو حقّ» الحديث.[6] .







  1. مناقب ابن شهرآشوب 356:2، الإرشاد 199:1.
  2. وکانت أوّل قضيّة قضي بها أمير المؤمنين بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.
  3. التهذيب 94:10، ووسائل الشيعة 475:18.
  4. سورة يونس: 35.
  5. سورة الأنفال: 28. سورة المنافقون: 15.
  6. المناقب لابن شهرآشوب 358:2، والبحار 223:40.