في الجمع بين الطائفتين من الروايات ونتيجة البحث











في الجمع بين الطائفتين من الروايات ونتيجة البحث



بالرغم من أنّ ظاهر بعض الروايات قد ذمّ التصدّي لأمر القضاء - کما أشرنا إلي ذلک - غير أنّ القضاء أحد الواجبات الإلهيّة الإسلاميّة المهمّة، ووعد مَن يتصدّي له بالثواب الجزيل، وقد أشرنا إلي ذلک أيضاً فيما مرّ.

وعلي هذا فإنّ الروايات الذامّة والمانعة - علي فرض صحّة سندها - تهدف إلي تبيان أهميّة موضوع القضاء وجلالة شأنه، لئلّا يتسامح فيه القضاة فيسلبوه أهمّيته، ولئلّا ينظروا إليه کمهنة ومکسب يؤمّنون معاشهم من خلاله، وليعلموا بأنّ القضاء أمانة إلهيّة في أيديهم، وعليهم أن يجتهدوا في إعطائها حقّها.

والقضيّة الاُخري الّتي نفهمها من الروايات المانعة هي أنّ للقضاء شرائط وخصائص لا تتوفّر في کلّ أحد، فلا ينبغي لکلّ فرد أن يتسنّم منصب القضاء، بل يجب أن يتمتّع من يقدم علي العمل الإلهي المهمّ - والّذي هو عمل الأنبياء - بصفات القاضي؛ إذ علاوة علي الشرائط العامّة کالعقل والبلوغ والقدرة فإنّه يجب أن يکون مجتهداً وعادلاً ينصبه إمام المسلمين.

کما يجب الالتفات إلي أنّ القاضي يجب أن يقيم القسط والعدل، لا أن يکون سبباً للفساد والضلال في المجتمع نتيجة جهله أو قصده ذلک متعمّداً، وعند ذلک ستشمل الروايات الذامّة والمانعة أمثال هؤلاء الأشخاص.

قال المفيد في (المقنعة): القضاء بين النّاس درجة عالية، وشروطه صعبة شديدة، ولا ينبغي لأحد أن يتعرّض له حتّي يثق من نفسه بالقيام به، وليس يثق أحد بذلک من نفسه حتّي يکون عاقلاً کاملاً عالماً بالکتاب وناسخه ومنسوخه، وعامّه وخاصّه، وندبه وإيجابه، ومحکمه ومتشابهه، عارفاً بالسنّة وناسخها ومنسوخها، عالماً باللغة مضطلعاً بمعاني کلام العرب، بصيراً بوجوه الإعراب، ورعاً عن محارم اللَّه عزّ وجلّ، زاهداً في الدنيا، متوفّراً علي الأعمال الصالحات، مجتنباً للذنوب والسيّئات، شديد الحذر من الهوي، حريصاً علي التقوي.

فقد روي: أنّه نودي لقمان الحکيم حين هدأت العيون: «ألا نجعلک يا لقمان خليفة في الأرض، تحکم بين النّاس بالحق؟»، فقال لقمان: «يا ربّ، إن أمرتني أفعل، وإن خيّرتني اخترت العافية» الحديث.[1] .

وعلي هذا يظهر أنّه لا تضادّ بين الروايات أبداً، وإنّما تهتمّ کلّ رواية بناحية لم تتطرّق إليها الرواية الاُخري، والشاهد علي المدّعي وجود روايات جمعت بين هاتين الطائفتين نذکر بعضها:

1- في (الکافي): عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: «اتّقوا الحکومة، فإنّ الحکومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين لنبيّ أو وصيّ نبيّ».[2] .

2- وفيه أيضاً قال الباقر عليه السلام: «مَن أفتي النّاس بغير علم ولا هُديً من اللَّه لعنته ملائکة الرحمة وملائکة العذاب ولحقه وزر مَن عمل بفتياه».[3] .

3- وفيه أيضاً عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «مَن حکم في درهمين بحکم جور ثمّ جبر عليه کان من أهل هذه الآية: «وَمَن لَمْ يَحْکُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِکَ هُمُ الْکَافِرُونَ»[4] فقلت: وکيف يجبر عليه؟ فقال: «يکون له سوط وسجن فيحکم عليه، فإذا رضي بحکومته وإلّا ضربه بسوطه وحبسه في سجنه».[5] .

4- وفيه أيضاً عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: «القضاة أربعة، ثلاثة في النّار وواحد في الجنّة، رجلٌ قضي بجور وهو يعلم فهو في النّار، ورجل قضي بجور وهو لا يعلم فهو في النّار، ورجل قضي بالحقّ وهو لا يعلم فهو في النّار، ورجل قضي بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة».[6] .

5- وفي (کنز العمّال): القضاة ثلاثة: قاضيان في النّار، وقاضٍ في الجنّة، قاضٍ قضي بالهوي فهو في النّار، وقاضٍ قضي بغير علمٍ فهو في النّار، وقاضٍ قضي بالحقّ فهو في الجنّة.[7] .

6- وفيه أيضاً: عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «لسان القاضي بين جمرتين حتّي يصير إمّا إلي الجنّة وإمّا إلي النّار».[8] .

7- وفي (شرح ابن أبي الحديد) مرفوعاً عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال: «ليس أحد يحکم بين النّاس إلّا جي ء به يوم القيامة مغلولة يداه إلي عنقه، فکّه العدل، وأسلمه الجور».[9] .







  1. المقنعة: 721، ط. مؤسّة النشر الإسلامي.
  2. الکافي 406:7.
  3. المصدر المتقدّم: 409، ووسائل الشيعة 9:18.
  4. سورة المائدة: 44.
  5. الکافي 408:7.
  6. المصدر المتقدّم: 407.
  7. کنز العمّال 91:6، ح 14981.
  8. المصدر المتقدّم: 94، ح 14992.
  9. شرح ابن أبي الحديد 65:17.