يعيّره أعداؤه بكنية أبي تراب وهي أحبّ أسمائه إليه











يعيّره أعداؤه بکنية أبي تراب وهي أحبّ أسمائه إليه



لا يخفي أنّ أعداءه من بني اُميّة وأتباعهم لا يطلقون عليه غير أبي تراب، وکأنّهم يُعيّرونه عليه السلام بها، فدعوا خطباءهم إلي أن يسبّوه بها علي المنابر وجعلوها نقيصة له، مع أنّها موضع فخرٍ واعتزازٍ، کما أنّهم کانوا لا يطلقون علي شيعته وأتباعه إلّا الترابي والترابيّة حتّي صار لقباً لهم. قال الکميت:


وقالوا ترابيٌّ هواه ودينه
بذلک اُدعي بينهم واُلقّب[1] .


وقال الحاکم أبو عبداللَّه النيشابوري: کان بنو اُميّة تنقص عليّاً عليه السلام بهذا الاسم الّذي سمّاه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ويلعنوه علي المنبر بعد الخطبة مدّة ولايتهم، وکانوا يستهزئون به، وإنّما استهزؤوا بالذي سمّاه به، وقد قال اللَّه تعالي: «قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ کُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ × لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ کَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِکُمْ» الآية.[2] .

وقال سبط ابن الجوزي: والّذي ذکره الحاکم صحيح، فإنّهم ما کانوا يتحاشون من ذلک بدليل ما روي مسلم، عن سعد بن أبي وقّاص، أنّه دخل علي معاوية، فقال: ما منعک أن تسبّ أبا تراب؟ الحديث.[3] .

قال ابن أبي الحديد - في شرحه - ما ملخّصه: هو أبو الحسن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، الغالب عليه من کنيته عليه السلام أبو الحسن، وکان ابنه الحسن يدعوه في حياة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أبا الحسين، ويدعوه الحسين عليه السلام أبا الحسن، ويدعوان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أباهما، فلمّا توفِّي النبيّ صلي الله عليه و آله دعواه بأبيهما.

وکنّاه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أبا تراب، وجده نائماً في تراب، قد سقط عنه رداؤه، وأصاب التراب جسده، فجاء حتّي جلس عند رأسه وأيقظه، وجعل يمسح التراب عن ظهره، ويقول له: «اجلس إنّما أنت أبو تراب»، فکانت من أحبّ کناه إليه عليه السلام، وکان يفرح إذا دُعي بها، وکانت تُرَغِّب بنو اُميّة خطباءهم أن يسبّوه بها علي المنابر، وجعلوها نقيصة له عليه السلام ووصمة عليه[4] فکأنّما کسوه بها الحُلي والحُلل کما قال الحسن البصري.[5] .

قال ابن الجوزي: واستمرّ الحال إلي زمن عمر بن عبدالعزيز، فجعل مکان ذلک السبّ «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ» الآية، فلمّا ولّي بعده يزيد بن عبدالملک لم يتعرّض لسبّه، فقيل له في ذلک؟ فقال: ما لنا ولهذا، واستمرّ الحال. وقيل: إنّ الوليد بن يزيد أعاد السبّ. وقيل: إنّ بعض بني اُميّة کان يقول: اللّهمّ صلِّ علي معاوية وحده، لقد لقينا من عليّ جهده.[6] .







  1. أعيان الشيعة 325:1.
  2. راجع الغدير 337:6، والآيتان 65 و 66 من سورة التوبة.
  3. تذکرة الخواصّ: 16.
  4. الوصمة: العيب والعار.
  5. شرح ابن أبي الحديد 11:1.
  6. تذکرة الخواصّ: 17.