الاخبار المأثورة في الباب











الاخبار المأثورة في الباب



1- في موثّقة مسعدة بن صدقة، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: سمعتُه يقول وسئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، أواجبٌ هو علي الاُمّة جميعاً؟ فقال: «لا».

فقيل له: ولِمَ؟ قال: «إنّما هو علي القويّ المُطاع العالمِ بالمعروف من المنکر، لا علي الضعيف الّذي لا يهتدي سبيلاً إلي أيٍّ من أيٍّ - يقول: من الحقّ إلي الباطل - والدليل علي ذلک کتاب اللَّه: «وَلِتَکُن مِنکُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ»، فهذا خاصّ غير عامّ.

کما قال اللَّه عزّ وجلّ: «وَمِن قَوْمِ مُوسَي أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ»[1] ولم يقل علي اُمّة موسي ولا علي کلّ قومه، وهم يومئذٍ اُممٌ مختلفة، والاُمّة واحد فصاعداً، کما قال اللَّه عزّ وجلّ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ کَانَ أُمَّةً قَانِتاً للَّهِِ»[2] يقول: مطيعاً للَّه عزّ وجلّ، وليس علي مَن يعلم ذلک في هذه الهدنة من حرج إذا کان لا قوّة له ولا عدد ولا طاعة».

قال مسعدة: وسمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: وسئل عن الحديث الّذي جاء عن النبيّ صلي الله عليه و آله: «إنّ أفضل الجهاد کلمة عدلٍ عند إمام جائر» ما معناه؟ قال: «هذا علي أن يأمره بعد معرفته، وهو مع ذلک يقبل منه، وإلّا فلا».[3] .

2- ومنها: ما في (نهج البلاغة): عن محمّد بن جرير الطبري، عن عبدالرحمن بن أبي ليلي، أنّه قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول يوم لقينا أهل الشام: «أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، إِنَّهُ مَنْ رَأَي عُدْوَاناً يُعْمَلُ بِهِ وَمُنْکَراً يُدْعَي إِلَيْهِ، فَأَ نْکَرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وَبَرِي ءَ؛ وَمَنْ أَ نْکَرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ أُجِرَ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبهِ؛ وَمَنْ أَ نْکَرَهُ بِالسَّيْفِ لِتَکُونَ کَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَکَلِمَةُ الظَّالِمِينَ هِيَ السُّفْلَي، فَذلِکَ الَّذِي أَصَابَ سَبيلَ الْهُدَي، وَقَامَ عَلَي الطَّريق، وَنَوَّرَ فِي قَلْبِهِ الْيَقِينُ».[4] .

والظاهر أنّ هذا الحديث في مقام بيان مراتب هذه الفريضة في الفضل والأجر.

3- ومنها - وهو من الأخبار الجامعة - ما رواه في الوسائل، عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «لا تزال اُمّتي بخيرٍ ما أمروا بالمعروف ونَهوا عن المُنکر، وتعاوَنوا علي البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلک نُزعتْ منهم البرکات، وسُلِّط بَعْضُهُم علي بعض، ولم يکن لَهُم ناصرٌ في الأرض ولا في السماء».[5] .

4- ومنها: ما جاء في وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام قبيل وفاته: «لا تترکوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر فيُولّي عليکم أشرارُکم، ثمّ تدعونَ فلا يُستجاب لکم».[6] .

5- وفي (الوسائل): عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: «کان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: إذا اُمّتي تواکلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر فليأذنوا بوقاع من اللَّه تعالي».[7] .

والسرّ في ذلک أنّ الاُمّة الإسلاميّة إذا راعت الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر واهتمّت بصلاح المجتمع صارت اُمّة صالحة والعلاقات بينها وثيقة، وکانت کالبنيان المرصوص يدعم بعضه بعضاً، وعندئذٍ ترأسها فئة منها صالحة عادلة لا محالة، وأمّا إذا لم تهتمّ بهذه الفريضة، واتّکل کلّ واحد علي الآخر، واتّبع ما يشتهيه ويهواه، صارت اُمّة مشتّتة متفرّقة متباغضة، يلعن بعضها بعضاً، فيغتنم الأشرار والکفّار هذه الفرصة فيترأّسون عليها، ويغتصبون حقوقها وذخائرها وإمکاناتها، کما هو المشاهد في أعصارنا في أکثر البلاد الإسلاميّة، ولا يرفع عنهم السوء والشرّ بالدعاء إلّا أن يغيّروا ما بأنفسهم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ».[8] .

والحديث المأثور عن أمير المؤمنين عليه السلام يرفع القناع عن هذه الحقيقة، ففي (الغارات): بسنده عن شهر بن حوشب أنّ عليّاً عليه السلام قال لهم: «إنّه لم يهلک مَن کان قَبلَکُم من الاُمم إلّا بحيث ما أتوا من المعاصي، ولم ينههم الربّانيّون والأحبار، فلمّا تمادوا في المعاصي، ولم ينههم الربّانيّون والأحبار عمّهم اللَّه بعقوبة، فأمروا بالمعروف وأنهوا عن المنکر قبل أن ينزل بکم مثل الّذي نزل بهم، واعلموا أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر لا يُقرّبان من أجل، ولا ينقصان من رزق، فإنّ الأمر ينزل من السماء إلي الأرض کقطر المطر إلي کلّ نفسٍ بما قدّر اللَّه لها من زيادة أو نقصان في نفسٍ أو أهلٍ أو مالٍ. فإذا کان لأحدکم نقصان في ذلک وهو يري لأخيه عفوة[9] فلا يکوننّ له فتنة.

فإنّ المرء المسلم ما لم يفش دناءة يظهر فيخشع لها إذا ذکرت وتغري بها لئام النّاس، کان کالياسر الفالح ينتظر أوّل فوزة من قداحه يوجب له بها المغنم، ويذهب عنه بها المغرم، فذلک المرء البري ء من الخيانة ينتظر إحدي الحسنيين؛ إمّا داعي اللَّه فما عند اللَّه خيرٌ له، وإمّا رزق من اللَّه واسع، فإذا هو ذو أهلٍ ومالٍ ومعه دينه وحسبه، المالُ والبنون حرثُ الدُّنيا والعملُ الصالح حرثُ الآخرة، وقد يجمعهما اللَّه لأقوام».[10] .

وعلي هذا يجب علي کلّ مسلم السعي في نشر المعروف وإشاعته وقطع جذور المنکر والفساد، والسعي في إقامة الحدود الإلهيّة بقدر المُکنة والقدرة، غاية الأمر أنّ القيام بهذا العمل إذا استلزم الجراح فإنّه مشروط بإذن الإمام والحاکم، فيجب الاستئذان منه وإيقاع العمل تحت إشراف حکمه لئلا يلزم الهرج والمرج والاختلال.

ولو فرض ضعف الحکومة وقلّة أعوانها وجب إعانتها ومساعدتها في نشر المعروف ودفع المنکر، ولو فرض عدم وجود الحکومة الحقّة العادلة وجب علي الجميع السعي إلي تحقيقها لذلک، ولو بتشکيل دويلة صغيرة في منطقة معيّنة، فلا يجوز للمسلمين أن يقعدوا في بيوتهم ولا يبالوا بما يقع في مجتمعهم من الفحشاء والفساد وإراقة الدماء، وغصب الأموال، وهتک النواميس، وهضم الکفّار والصهاينة لحقوق المسلمين والمستضعفين بحجّة أنّ رفع هذه المفاسد کلّها من وظائف الحاکم.[11] .

والتحقيق أنّ هذه الفريضة من نوع الواجبات الکفائيّة، أي أنّها متعلّقة بکلّ واحد من المکلّفين بحيث لو أخلّ بامتثالها الکلّ لعوقبوا علي مخالفتها جميعاً، وتسقط عنهم لو أتي بها بعضهم.

وبعدما مرّ منّا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر نرجع إلي أصل البحث وهو سيرة عليّ عليه السلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر.







  1. سورة الأعراف: 159.
  2. سورة النحل: 120.
  3. وسائل الشيعة 400:11.
  4. نهج البلاغة: الحکمة 373.
  5. وسائل الشيعة 398:11.
  6. نهج البلاغة: الکتاب 47.
  7. وسائل الشيعة 394:11.
  8. سورة الرعد: 11.
  9. العفوة: خيار الشي ء.
  10. الغارات 79:1.
  11. راجع: دراسات في ولاية الفقيه 219:2.