كلمة في أهمّية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر











کلمة في أهمّية الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر



إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر من أهمّ الفرائض الّتي حثّ عليهما القرآن والسنّة، بل عليهما يبتني بقاء أساس الدين واستمرار الرسالة النبويّة وحفظ نظام المسلمين، وهذه الفريضة شُرّعت لجميع المسلمين وهي باقية إلي يوم القيامة، وقد اعتبر جميع المسلمين مسؤولين إجمالاً عن تطبيقها ونشرها وحفظها، ومن هنا کان علي الاُمّة الإسلاميّة وخصوصاً إمامها وممثّلها أن تراقب بکلّ وجودها أوضاع المجتمع، وأن تجدّ في نشر المعروف وبذر الخير، وتعمل علي قلع جذور الشرّ وإنکاره.

وقد بلغت هذه الفريضة من الأهمّية حدّاً جعلها أمير المؤمنين عليه السلام فوق الجهاد وجميع أعمال البِرّ بمراتب، فقال عليه السلام في نهج البلاغة: «وَمَا أَعْمَالُ الْبِرِّ کُلُّهَا وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عِنْدَ الْأَمْرِ بالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْکَرِ، إِلَّا کَنَفْثَةٍ[1] فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ.[2] وَإِنَّ الْأَمْرَ بالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْکَرِ لَا يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ، وَلَا يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذلِکَ کُلِّهِ کَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ إَمَامٍ جَائِرٍ».[3] .

وعدّهما عليه السلام في موضعٍ آخر من نهج البلاغة من شعب الجهاد، فعن أبي جُحيفة، قال: سمعتُ أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «أَوَّلُ مَا تُغْلَبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْجِهَادِ الْجِهَادُ بِأَيْدِيکُمْ، ثُمَّ بِأَلْسِنَتِکُمْ، ثُمَّ بِقُلُوبِکُمْ؛ فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ بِقَلْبِهِ مَعْرُوفاً، وَلَمْ يُنْکِرْ مُنْکَراً، قُلِبَ فَجُعِلَ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ، وَأَسَفَلُهُ أَعْلَاهُ».[4] .

والسرّ في ذلک أنّ قوام کلّ الفرائض وبقاءها رهن بإقامة هاتين الفريضتين، مضافاً إلي أنّ الجهاد کفاح خارجيّ، ولا أثر له ولا أهمّية ما لم يصلح الداخل، فالواجب أوّلاً تطهير الداخل وإصلاحه ثمّ الإقدام علي إصلاح الخارج.[5] .







  1. النفثة - کالنفخة -: يراد ما يمازج النفس من الريق عند النفخ.
  2. بحر لجّي: کثير الموج.
  3. نهج البلاغة لفيض الإسلام: 1253، الحکمة 366.
  4. المصدر المتقدّم: 1254، الحکمة 367.
  5. انظر: دراسات في ولاية الفقيه 215 - 213: 2.