مراقبته السوق ونصيحة الباعة برعاية الموازين الشرعيّة











مراقبته السوق ونصيحة الباعة برعاية الموازين الشرعيّة



1- في (الکافي): بإسناده عن أبي حمزة، رفعه، قال: «قام أمير المؤمنين عليه السلام علي دار ابن أبي معيط، وکانت يقام فيها الإبل، فقال: يا معاشر السماسرة[1] أقلّوا الأيمان، فإنّها منفقة للسلعة، ممحقة للربح».[2] .

2- وفيه أيضاً: بإسناده عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول علي المنبر: «يا معشر التجّار، الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، واللَّه للربا في هذه الاُمّة أخفي من دبيب النمل علي الصفا، شوبوا أيمانکم بالصدق[3] التاجر فاجر، والفاجر في النّار، إلّا من أخذ الحقّ وأعطي الحقّ».[4] .

3- وفي حديث آخر عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «مَن اتّجر بغير علم ارتطم في الربا، ثمّ ارتطم»، قال: وکان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «لا يقعدنّ في السوق إلّا مَن يعقل الشراء والبيع».[5] .

4- وفيه أيضاً عن جابر، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: «کان أمير المؤمنين عليه السلام بالکوفة عندکم يغتدي کلّ يوم بکرة من القصر فيطوف في أسواق الکوفة سوقاً سوقاً، ومعه الدرّة علي عاتقه، وکان لها طرفان، وکانت تسمّي السبيبة، فيقف علي أهل کلّ سوق، فينادي: يا معشر التجّار، اتّقوا اللَّه، فإذا سمعوا صوته ألقوا ما بأيديهم، وارعوا إليه بقلوبهم، وسمعوا بآذانهم، فيقول: قدّموا الاستخارة، وتبرّکوا بالسهولة، واقتربوا من المتباعين[6] وتزيّنوا بالحلم، وتناهوا عن اليمين، وجانبوا الکذب، وتجافوا عن الظلم، وانصفوا المظلومين، ولا تقربوا الربا: «وأوفوا الکيل والميزان ولا تبخسوا النّاس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين»، فيطوف في جميع أسواق الکوفة، ثمّ يرجع فيقعد للنّاس».[7] .

وزاد الشيخ المفيد في آخره: «وکان إذا نظروا إليه قد أقبل إليهم، قال: يا معشر النّاس، أمسکوا أيديهم وأصغوا إليهم بآذانهم، ورمقوه بأعينهم حتّي يفرغ عليه السلام من کلامه، فإذا فرغ قالوا: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين».[8] .

5- وروي أبو إسحاق الثقفي الکوفي في (الغارات): بسنده عن أبي حصين، عن مختار التمّار، عن أبي مطر، وکان رجلاً من أهل البصرة، قال: کنت أبيت في مسجد الکوفة، وأبول في الرحبة، وآکل الخبز بزق البقال[9] فخرجت ذات يوم اُريد بعض أسواقها فإذا بصوت بي، فقال: «يا هذا، ارفع إزارک فإنّه أنقي لثوبک واتّقي لربّک». قلت: مَن هذا؟ فقيل لي: هذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، فخرجت اتّبعه وهو متوجّه إلي سوق الإبل، فلمّا أتاها وقف في وسط السوق، فقال: «يا معشر التجّار، إيّاکم واليمين الفاجرة، فإنّها تنفق السلعة وتمحق البرکة». ثمّ أتي سوق الکرابيس، فإذا هو برجل وسيم، فقال: «يا هذا، عندک ثوبان بخمسة دراهم؟»، فوثب الرجل فقال: نعم يا أمير المؤمنين، فلمّا عرفه مضي عنه وترکه، فوقف علي غلام، فقال له: «يا غلام، عندک ثوبان بخمسة دراهم؟»، قال: نعم، عندي ثوبان، أحدهما أخير من الآخر، واحد بثلاثة والآخر بدرهمين. قال: «هلمّهما»، فقال: «يا قنبر، خذ الّذي بثلاثة». قال: أنت أوْلي به - يا أمير المؤمنين - تصعد المنبر، وتخطب النّاس.

فقال: «يا قنبر، أنت شاب ولک شِرّة[10] الشباب، وأنا أستحيي من ربّي أن أتفضّل عليک؛ لأنّي سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: ألبسوهم ممّا تلبسون، وأطعموهم ممّا تأکلون»، ثمّ لبس القميص ومدّ يده في رُدنه[11] فإذا هو يفضل عن أصابعه، فقال: «يا غلام، اقطع هذا الفضل»، فقطعه، فقال الغلام: هلمّه أکفّه يا شيخ، فقال: «دعه کما هو، فإنّ الأمر أسرع من ذلک».[12] .

6- وفي (الاستيعاب): عن أبحر بن جرموز، عن أبيه، قال: رأيت عليّ بن أبي طالب عليه السلام يخرج من مسجد الکوفة وعليه قطريتان مئتزراً بالواحدة ومرتدياً بالاُخري، وإزاره إلي نصف الساق، وهو يطوف في الأسواق، ومعه درّة، يأمرهم بتقوي اللَّه وصدق الحديث، وحسن البيع، والوفاء بالکيل والميزان.[13] .

7- وفي (کشف الغمّة): عن المختار بن نافع، عن أبي مطر، قال: خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي: «ارفع إزارک فإنّه أتقي[14] لثوبک، وأبقي لک، وخذ من رأسک إن کنت مسلماً»، فمشيت خلفه وهو مؤتزر بإزار ومرتدٍ برداء ومعه الدرّة کأنّه أعرابي بدويّ، فقلت: مَن هذا؟ فقال لي رجل: أراک غريباً بهذا البلد؟ قلت: أجل، أنا رجل من أهل البصرة. قال: هذا عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، حتّي انتهي إلي دار بني أبي معيط وهو سوق الإبل، فقال: «بيعوا ولا تحلفوا، فإنّ اليمين تنفق السلعة وتمحق البرکة».

ثمّ أتي أصحاب التمر، فإذا خادم تبکي، فقال: «ما يبکيک؟»، قالت: باعني هذا الرجل تمراً بدرهم فردّه مواليّ، فأبي أن يقبله، فقال له عليّ عليه السلام: «خذ تمرک وأعطها درهمها، فإنّها خادم ليس لها أمر»، فدفعه، فقلت: أتدري مَن هذا؟ فقال: لا، فقلت: هذا عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، فصبّ تمره وأعطاها درهمها، وقال: اُحبّ أن ترضي عنّي يا أمير المؤمنين. فقال: «ما أرضاني عنک إذا وفيتهم حقوقهم». ثمّ مرّ مجتازاً بأصحاب التمر، فقال: «يا أصحاب التمر، أطعموا المساکين يربو کسبکم».

ثمّ مرّ مجتازاً ومعه المسلمون حتّي أتي إلي أصحاب السمک، فقال: «لا يباع في سوقنا طاف»، ثمّ أتي دار فرات، وهي سوق الکرابيس، (فأتي شيخاً) فقال: «يا شيخ، أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم»، فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئاً، ثمّ أتي آخر فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئاً، فأتي غلاماً حدثاً فاشتري منه قميصاً بثلاثة دراهم ولبسه ما بين الرسغين إلي الکعبين، يقول في لبسه: «الحمد للَّه الّذي رزقني من الرياش ما أتجمّل به في النّاس، واُواري به عورتي». فقيل له: يا أمير المؤمنين، هذا شي ء ترويه عن نفسک، أو شي ء سمعته من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله؟

قال عليه السلام: «بل شي ء سمعته من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقوله عند الکسوة»، فجاء أبو الغلام صاحب الثوب، فقيل له: يا فلان، قد باع ابنک اليوم من أمير المؤمنين قميصاً بثلاثة دراهم، قال: أفلا أخذت منه درهمين؟ فأخذ منه أبوه درهماً، وجاء به إلي أمير المؤمنين وهو جالس علي باب الرُّحبة ومعه المسلمون، فقال: امسک هذا الدرهم يا أمير المؤمنين. قال: «ما شأن هذا الدرهم؟»، قال: کان ثمن قميصک درهمين، فقال: «باعني رضاي وأخذ رضاه».[15] .

8- وروي أبو إسحاق الثقفي الکوفي في (الغارات): عن أبي سعيد، قال: کان عليّ عليه السلام يأتي السوق فيقول: «يا أهل السوق، اتّقوا اللَّه، وإيّاکم والحلف، فإنّه ينفق السلعة، ويمحق البرکة، فإنّ التاجر فاجر إلّا مَن أخذ الحقّ وأعطاه، السلام عليکم»، ثمّ يمکث الأيّام، ثمّ يأتي فيقول مثل مقالته، فکان إذا جاء قالوا: قد جاء المرد شکنبة[16] فکان يرجع إلي سرُته فيقول: «إذا جئت قالوا: قد جاء المرد شکنبة، فما يعنون بذلک؟»، قيل له: يقولون قد جاء عظيم البطن، فيقول عليه السلام: «أسفله طعام، وأعلاه علم.[17] [18] .

9- روي أبو إسحاق الثقفي الکوفي أيضاً: بسنده عن الحارث بن عبداللَّه الأعور الهمداني، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه دخل السوق فقال: «يا معشر اللحّامين، مَن نفخ منکم[19] في اللحم فليس منّا»، فإذا هو برجل مولّيه ظهره، فقال: کلّا والّذي احتجب بالسبع، فضربه عليّ عليه السلام علي ظهره، ثمّ قال: «يا لحّام، ومَن الّذي احتجب بالسبع؟»، قال: ربّ العالمين، يا أمير المؤمنين، فقال له: «أخطأت ثکلتک اُمّک، إنّ اللَّه ليس بينه وبين خلقه حجاب، لأنّه معهم أينما کانوا»، فقال الرجل: ما کفّارة ما قلت يا أمير المؤمنين؟ قال: «أن تعلم أنّ اللَّه معک حيث کنت»، قال: اُطعم المساکين؟ قال: «لا، إنّما حلفت بغير ربّک».[20] .

10- و رواه أيضاً: بسنده عن النعمان بن سعد، عن عليّ عليه السلام، قال: کان عليّ عليه السلام يخرج إلي السوق ومعه الدرّة فيقول: «إنّي أعوذ بک من الفسوق، ومن شرّ هذه السوق».[21] .

11- عن عليّ عليه السلام أنّه مرّ بجارية تشتري لحماً من قصّاب وهي تقول: زدني، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «زدها، فإنّه أعظم للبرکة».[22] .

12- وفي (الوسائل): عن أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه: أنّ عليّاً عليه السلام کان ينهي عن الحکرة في الأمصار» الحديث.[23] .

أقول: ولذلک کان يعاقب المحتکر بالعقوبة الشديدة.

13- روي ابن حزم في (المحلّي): بسنده عن أبي الحکم: أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام أحرق طعاماً احتکر بمائة ألف.[24] .

14- وروي فيه أيضاً: عن حُبيش، قال: أحرق لي عليّ بن أبي طالب عليه السلام بيادر بالسواد کنتُ احتکرتُها، لو ترکها لربحتُ فيها مثل عطاء الکوفة.[25] .







  1. السمسار: الّذي يتوسّط بين البائع والمشتري، وأيضاً مالک الشي ء وقيّمه.
  2. الکافي 162:5، ووسائل الشيعة 309:12.
  3. وفي الفقيه: «صونوا أموالکم بالصدقة».
  4. الکافي 150:5، ووسائل الشيعة 282:12، قوله: «الدبيب»: المشي الخفيف، و«الصفا»: الحجر الصلد.
  5. فروع الکافي 154:5، ووسائل الشيعة 283:12.
  6. واقتربوا...: أي لا لا تغالوا في الثمن فينفروا.
  7. الکافي 151:5، ووسائل الشيعة 283:12، و نحوه في أمالي الصدوق - المجلس الخامس والسبعون: ح 6.
  8. أمالي المفيد: 197 - المجلس الثالث والعشرون، ح 31.
  9. وفي البحار: «وأخذ الخبز من البقال».
  10. شرّة الشباب: حرصه ونشاطه.
  11. الردن - بالضمّ -: أصل الکمّ.
  12. الغارات 105:1.
  13. الاستيعاب بهامش الإصابة 48:3.
  14. کذا في المصدر، ولعلّه تصحيف: «أنقي لثوبک».
  15. کشف الغمّة - باب المناقب 219:1، ونحوه في البداية والنهاية 4:8، نقلاً عن الإحقاق 663:8.
  16. حيث إنّ کثيراً من تجّار الکوفة کانوا من رجال الفرس، ولذا يقولون بالفارسيّة: «مردي که شکم دارد».
  17. وفي الخصال 189:1: في حديث سئل عن کبر بطنه عليه السلام، فقال: «وأمّا کبر بطني، فإنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله علّمني باباً من العلم، ففتح لي ذلک الباب ألف باب، فازدحم العلم في بطني، فنفجت عنه عضوي». نفجت: عظمت وارتفعت.
  18. الغارات 109:1.
  19. النفخ في اللحم: يحتمل وجهين: الأوّل: ما هو الشائع من النفخ في الجلد لسهولة السلخ، والثاني: التدليس الّذي يفعله بعض النّاس من النفخ في الجلد الرقيق الّذي علي اللحم ليري سميناً، وهذا أظهر.
  20. الغارات 111:1.
  21. المصدر المتقدّم: 113.
  22. الکافي 152:5، وکنز العمّال 38:4، ح 93، وفيه: فقال عليه السلام: «زدها فإنّه أبرک للبيع».
  23. وسائل الشيعة 314:12.
  24. المحلّي 65:6، نقلاً عن الدراسات 266:2.
  25. المحلّي 65:6، نقلاً عن الدراسات 266:2.