كلمة في تسمية الرسول وعليّ أبوا هذه الاُمّة











کلمة في تسمية الرسول وعليّ أبوا هذه الاُمّة



لا شکّ أنّ للإنسان حياة بدنيّة بالروح الحيوانيّة وحياة أبديّة بالإيمان والعلم والکمالات الروحانيّة الّتي هي موجبة لفوزه بالسعادات الأبديّة وبالکمالات الإنسانيّة، وقدوصف اللَّه تعالي الکفّار في مواضع من کتابه بأنّهم أموات غير أحياء[1] ووصف أموات کلّ المؤمنين بالحياة، کما قال اللَّه تعالي: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً»[2] وقال: «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً»[3] وغير ذلک من الآيات وکذا الأخبار.

وحقّ الوالدين في النسب إنّما يجب لمدخليّتهما في الحياة الاُولي الفانية لتربية الإنسان فيما يقوّي ويؤيّد تلک الحياة، وحقّ النبيّ صلي الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام إنّما يجب من الجهتين معاً:

أمّا الاُولي، فلکونهم علّة غائيّة لإيجاد جميع الخلائق وبهم يبقون، وبهم يرزقون، وبهم يمطرون، وبهم يدفع اللَّه العذاب، وبهم يسبّب اللَّه الأسباب.[4] .

وأمّا الثانية، الّتي هي الحياة العظمي فبهدايتهم اهتدوا، ومن أنوارهم اقتبسوا، وبينابيع علمهم أحياهم اللَّه حياة طيّبة، لا تزول عنهم أبد الآبدين، فثبت أنّهم الآباء الحقيقيّون روحيّاً، فوجب علي الخلق رعاية حقوقهم، والاحتراز عن عقوقهم صلوات اللَّه عليهم أجمعين.[5] .

وقال الراغب في (المفردات): الأب: الوالد، ويسمّي کلّ من کان سبباً في إيجاد الشي ء أو إصلاحه، أو ظهوره أباً، ولذلک يسمّي النبيّ صلي الله عليه و آله أبا المؤمنين. قال اللَّه تعالي: «النَّبِيُّ أَوْلَي بِالْمُؤْمِنِينَ مِن أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ»[6] وفي بعض القراءات: وهو أب لهم.

ويتّضح من بعض الأخبار أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله وعليّاً عليه السلام أعظم حقّاً من حقّ الوالد علي الأولاد، وهو أمر واضح علي الاُمّة؛ لأنّهما أنقذا الاُمّة من الضلالة والجهالة وهدياهم إلي صراط المستقيم.

وفي (المناقب): عن النبيّ صلي الله عليه و آله: «يا عليّ، أنا وأنت أبوا هذه الاُمّة، ولحقّنا عليهم أعظم من حقّ أبوي ولادتهم، فإنّا ننقذهم إن أطاعونا من النّار إلي دار القرار، ونلحقهم من العبوديّة بخيار الأحرار».[7] .

وفي (المفردات): روي أنّه صلي الله عليه و آله قال لعليّ عليه السلام: «أنا وأنت أبوا هذه الاُمّة»، وإلي هذا أشار بقوله: «کلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي» إلي أن قال: وسمّي معلّم الإنسان أباه، وقد حمل قوله تعالي: «وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَي أُمَّةٍ» علي ذلک، أي علماءنا الّذين ربّونا بالعلم، إلي آخره.[8] .

فملخّص الکلام: أنّ حقّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وعليّ بن أبي طالب عليه السلام علي المسلمين أعظم من حقّ الوالد علي الأولاد؛ لأنّهما (صلّي اللَّه عليهما وآلهما) مع الإيثار بأنفسهما أنقذا الاُمّة من الضلالة والجهالة «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي کَانَتْ عَلَيْهِمْ»[9] وأنقذاهم من النّار، وهداياهم إلي صراط الحقّ، الصراط المستقيم «وَأَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ»[10] ورفعا المسلمين من عبودية النفس والأوثان إلي عبادة الرحمن، فصاروا خير أحرار، فأيّ حقٍّ أعظم من هذا؟







  1. منها قوله تعالي: «إِنَّکَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَي» سورة النمل: 80.
  2. سورة آل عمران: 169.
  3. سورة النحل: 97.
  4. کما ورد في زيارة الجامعة: «بِکُمْ فَتَحَ اللَّهُ، وَبِکُمْ يَخْتِمُ، وَبِکُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَبِکُمْ يُمْسِکَ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَي الْأَرْضِ إِلَّا بِاِذْنِهِ، وَبِکُمْ يُنَفِّسُ الْهَمَّ، وَيَکْشِفُ الضُّرَّ» إلي آخرها.
  5. راجع: البحار 13:36.
  6. سورة الأحزاب: 6.
  7. المناقب لابن شهرآشوب 105:3.
  8. المفردات: 7.
  9. سورة الأعراف: 157.
  10. سورة الأنعام: 153.