ما فعله بأهل الغلوّ











ما فعله بأهل الغلوّ



نقل الشارح المعتزلي عن أبي العبّاس، قال: وقد کان عليّ عليه السلام عثر علي قوم خرجوا من محبّته باستحواذ الشيطان عليهم، إلي أن کفروا بربّهم، وجحدوا ما جاء به نبيّهم، واتّخذوه ربّاً وإلهاً، وقالوا: أنت خالقنا ورازقنا، فاستتابهم وتوعّدهم، فأقاموا علي قولهم، فحفر لهم حفراً دخّن عليهم فيها، طمعاً في رجوعهم، فأبوا، فحرقهم بالنّار، وقال:


«ألا تَرَوْن قَدْ حَفَرْتُ حفَراً
إنّي إذَا رأيْتُ أمراً مُنْکَرا


أوقدت ناري ودعوتُ قنبرا

وروي أصحابنا في کتب المقالات: أنّه لمّا أحرقهم صاحوا إليه: الآن ظهر لنا ظهوراً بيّناً أنّک أنت الإله؛ لأنّ ابن عمّک الّذي أرسلته قال: «لا يُعذِّب بالنّار إلّا ربُّ العالمين»[1] .

وفي (الوسائل): عن أبي جعفر وأبي عبداللَّه عليهماالسلام: «أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا فرغ من أهل البصرة أتاه سبعون رجلاً من الزطّ، فسلّموا عليه وکلّموه بلسانهم، فردّ عليهم بلسانهم، ثمّ قال: إنّي لستُ کما قلتم، أنا عبد اللَّه مخلوق، فأبوا عليه، وقالوا: أنتَ هو. فقال عليه السلام: لئن لم تنتهوا وترجعوا عمّا قلتم فيّ وتتوبوا إلي اللَّه لأقتلنّکم، فأبوا أن يرجعوا ويتوبوا، فأمر أن تحفر لهم آبار فحفرت، ثمّ خرق بعضها إلي بعض، ثمّ قذفهم فيها، ثمّ خمّر رؤوسها ثمّ اُلهبت النار في بئر منها ليس فيه أحد منهم فيدخل عليهم الدخان فيها فماتوا».[2] .

وفي (شرح ابن أبي الحديد): عن عليّ بن محمّد النوفلي، عن أبيه، عن مشيخته: أنّ عليّاً عليه السلام مرّ بهم وهم يأکلون في شهر رمضان نهاراً، فقال: «أسفر أم مرضي؟» قالوا: ولا واحدة منهما، قال: «أفمن أهل الکتاب أنتم؟»، قالوا: لا، قال: «فما بال الأکل في شهر رمضان نهاراً؟!»، فقالوا: أنتَ، أنتَ! لم يزيدوه علي ذلک، ففهم مرادهم، فنزل عليه السلام عن فرسه فألصق خدّه بالتراب، ثمّ قال: «ويلکم! إنّما أنا عبدٌ من عبيد اللَّه، فاتّقوا اللَّه وارجعوا إلي الإسلام»، فأبوا، فدعاهم مراراً، فأقاموا علي أمرهم، فنهض عنهم ثمّ قال: «شدّوهم وثاقاً، وعلَيَّ بالفعلة والنّار والحطب»، ثمّ أمر بحفر بئرين فحفرتا فجعل أحدهما سَرَباً[3] والاُخري مکشوفة، وألقي الحَطب في المکشوفة، وفتح بينهما فتحاً، وألقي النّار في الحطب، فدخّن عليهم، وجعل يهتف بهم، ويناشدهم: «ارجعوا إلي الإسلام»، فأبوا، فأمر بالحطب والنّار، وألقي عليهم، فاحترقوا، فقال الشاعر:


لِترَمِ بِيَ المنيةُ حيثُ شاءت
إذا لَم تَرمِ بي الحُفرتَين


إذا ما جُشّتا حطباً بنارٍ
فذاک الموتُ نقداً غيرَ دَينٍ


قال: فلم يبرح واقفاً عليهم حتّي صاروا حُمَماً.[4] .

وروي محبّ الدين الطبري بسنده عن عبداللَّه بن شريک العامري، عن أبيه، قال: اُتي عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقيل له: إن هاهنا قوماً علي باب المسجد يزعمون أنّک ربّهم، فدعاهم، فقال لهم «ويلکم، ما تقولون؟». قالوا: أنت ربّنا وخالقنا ورازقنا.

قال: «ويلکم، إنّما أنا عبد مثلکم، آکل الطعام کما تأکلون، وأشرب کما تشربون، إن أطعته أثابني إن شاء اللَّه تعالي. وإن عصيت خشيت أن يعذّبني، فاتّقوا اللَّه وارجعوا»، فأبوا فطردهم، فلمّا کان من الغد غدوا عليه، فجاء قنبر، فقال: واللَّه رجعوا يقولون ذاک الکلام، قال: «أدخلهم علَيَّ»، فقالوا له مثل ما قالوا، وقال لهم مثل ما قال، وقال لهم: «إنّکم ضالّون مفتونون»، فأبوا. فلمّا أن کان اليوم الثالث أتوه، فقالوا له مثل ذلک القول، فقال: «واللَّه! لئن قلتم ذلک لأقتلنّکم أخبث قتلة»، فأبوا إلّا أن يموتوا علي قولهم، فخدّ لهم اُخدوداً بين باب المسجد والقصر، وأوقد فيه ناراً، وقال: «إنّي طارحکم فيها أو ترجعون»، فأبوا، فقذف بهم فيها.[5] .

و في الاحقاق عن کتاب (البدء والتاريخ) في بيان الفرق، قال: وفرقة تغلو غلوّاً شديداً، وتقول قولاً عظيماً، وهم أصحاب عبداللَّه بن سبأ، يقال لهم: السبأئيّة، قالوا لعليّ عليه السلام: أنتَ إله العالمين، أنتَ خالقنا ورازقنا، وأنت محيينا ومميتنا، فاستعظم عليّ عليه السلام ذلک من قولهم وأمر بهم فاُحرقوا بالنّار، فدخلوا النّار وهم يضحکون ويقولون: الآن صحّ لنا أنّک إله؛ إذ لا يعذّب بالنّار إلّا ربّ النّار، وزعم إخوانهم بعد ذلک أنّهم لم تمسّهم النّار، وإنّما صارت عليهم برداً وسلاماً، کما صارت علي إبراهيم عليه السلام وعند ذلک قال:


«إنّي إذا رأيت أمراً منکرا
أجّجتُ ناراً ودعوت قنبرا»[6] .


وفي (فرائد السمطين): بسنده عن عثمان بن المغيرة، قال: کنت عند عليّ بن أبي طالب عليه السلام جالساً، فجاءه قوم فقالوا: أنتَ هو! قال: «مَن أنا؟»، فقالوا: أنت هو، قال: «مَن أنا؟»، قالوا: أنت ربّنا! فاستتابهم فأبوا ولم يتوبوا، فضرب أعناقهم، ودعا بحطب ونار فأحرقهم وجعل يرتجز ويقول:


«إنّي إذا رأيت أمراً منکراً
أوقدتُ ناري ودعوت قنبرا»[7] .







  1. شرح ابن أبي الحديد 5:5.
  2. وسائل الشيعة 553:18.
  3. السرب - بفتحتين -: الحفير تحت الأرض.
  4. شرح ابن أبي الحديد 6:5.
  5. ذخائر العقبي: 93.
  6. عن الإحقاق 646:8.
  7. فرائد السمطين 174:1، ح 136.