رسالة توبيخ منه











رسالة توبيخ منه



أرسل عليه السلام کتاباً إلي عمر بن أبي سَلَمَة الأرحبي يوبّخه فيه لشدّته مع أهل الذمّة من دهاقين[1] فارس، جاء فيه: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ دَهَاقِينَ أَهْلِ بَلَدِکَ شَکَوْا مِنْکَ غِلْظَةً وَقَسْوَةً، وَاحْتِقَاراً وَجَفْوَةً، وَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلاً لَأَنْ يُدْنَوْا لِشِرْکِهِمْ، وَلَا أَنْ يُقْصَوْا وَيُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ، فَالْبَسَ لَهُمْ جِلْبَاباً مِنَ اللِّينِ تَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ، وَدَاوِلْ لَهُمْ بَيْنَ الْقَسْوَةِ وَالرَّأْفَةِ، وَامْزُجْ لَهُمْ بَيْنَ التَّقْرِيبِ وَالْإِدْنَاءِ، وَالْإِبْعَادِ وَالْإِقْصَاءِ. إِنْ شَاءَ اللَّهُ».[2] .

عن الفاضل البحراني في شرحه علي نهج البلاغة ذيل الخطبة، قال: والمنقول أنّ هؤلاء الدهاقين کانوا مجوساً، ولمّا شکوا إليه غلظة عامله، فکّر في اُمورهم، فلم يرهم أهلاً للإدناء الخالص لکونهم مشرکين، ولا إقصاءهم لکونهم معاهدين، فإنّ إدناءهم وإکرامهم خالصاً هضم ونقيصة في الدين، وإقصاءهم بالکلّية ينافي معاهدتهم، فأمره بالعدل فيهم، ومعاملتهم باللين المشوب ببعض الشدّة کلٌّ في موضعه، وکذلک استعمال القسوة مرّة والرأفة اُخري، والمزج بين التقريب والإبعاد لما في طرف اللين والرأفة والتقريب من استقرار قلوبهم في أعمالهم وزراعاتهم التي بها صلاح المعاش، وما في مزاجها بالشدّة والقسوة والإبعاد، من کسر عاديتهم، ودفع شرورهم، وإهانتهم المطلوبة في الدين، واستلزام ذلک نهيه عن استعمال الشدّة والقسوة والإبعاد في حقّهم دائماً، واللين والرأفة والإدناء خالصاً، واستعار لفظ الجلباب لمّا أمره بالاتّصاف به، وهو تلک الهيئة المتوسّطة من اللين المشوب بالشدّة بين اللين الخالص والشدّة الصرفة».[3] .

أقول: نستنتج من مجموع الفصل أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يغفل عن مراعاة حقوق أهل الذمّة من اليهود والنصاري والمجوس الّذين کانوا تحت ذمّة الإسلام رغم قصر فترة حکومته الّتي دامت خمس سنوات، انقضت بالاختلافات الداخليّة والمنازعات مع المارقين والقاسطين والناکثين. وهذا يدلّ علي تصرّف ديمقراطي عادل لم تصله أو تطبّقه أرقي النظم الّتي تدّعي الديمقراطيّة في الوقت الحاضر، آملين من الحکومات الإسلاميّة ومحبّي الإسلام العزيز أن يجعلوا من تصرّف أمير المؤمنين عليه السلام في حکومته قدوةً لهم لکي ينبّهوا غير المسلمين لعدالة وسماحة ديننا الحنيف، وعندما يُدرکون ذلک عمليّاً يتوجّهون بقلوب عاشقة ملؤها الحبّ والإخلاص للإسلام العزيز، والسلام.







  1. الدهاقين: جمع دهقان، رئيس القرية أو الإقليم، وتُطلق علي التجّار وأرباب الأملاک.
  2. راجع شرح ابن أبي الحديد 137:15، وشرح نهج البلاغة للخوئي 322:18، و نهج البلاغة الکتاب 19.
  3. شرح نهج البلاغة لفاضل البحراني 398:4.