سيرته مع الخوارج











سيرته مع الخوارج



إنّ بالإمکان الادّعاء بأنّ أيّة فئة لم تؤذ عليّاً عليه السلام بقدر ما آذته فئة الخوارج؛ إذ ملأوا قلبه قيحاً؛ وذلک أنّهم کانوا من شيعته، وعلي جباههم آثار السجود، إلّا أنّهم وقفوا بوجه الإمام واتّخذوا التحکيم الّذي أصرّوا علي تنفيذه ذريعة للخروج علي عليّ عليه السلام...

لقد کان هؤلاء اُناساً متعصّبين في دينهم غير أنّهم جهلاء، فلم يکونوا علي اتّصال بالأجانب، غاية ما هناک أنّهم فهموا الاُمور بغير وجهتها الصحيحة، وظنّوا بأفکارهم الساذجة أنّهم يبتغون بهذا الخروج وجه اللَّه تعالي!!

لقد أصرّ هؤلاء علي عليّ عليه السلام أن يقرّ بأنّ التحکيم کان ذنباً، وعليه أن يتوب منه، ولم يکن عليّ عليه السلام ليعترف بأنّ هذا ذنب اقترفه، بل کان يراه خطأً سياسيّاً فُرض عليه واُجبر علي قبوله في صفّين، ولم يرضَ الخوارج بهذا الرأي، ولذلک کانوا يعرِّضون بعليّ عليه السلام ويُصلّون فرادي في المسجد الّذي کان يُصلّي فيه جماعة.

وکانوا يتحرّکون في المسجد حينما يخطب، ويثيرون الضجّة ليفسدوا مجالسه العلمية، وإذا ما قرأ في الصلاة کانوا ينسبون إليه الکفر والشرک من خلال قراءتهم لبعض آيات القرآن...، غير أنّ عليّاً عليه السلام مثال الحقّ، ووارث علوم الأنبياء، والحاکم بالعدل، کان يصبر أمام هذه الإهانات والتعريضات، ومع أنّ السلطة وقدرتها کانت بيده إلّا أنّه لم يبدِ أدني ردّ فعل ضدّهم طمعاً في أن ينتبه هؤلاء من غفلتهم، ويترکوا طريق الانحراف الّذي اختاروه، ويعودوا إلي الصواب، ولئلّا يراق دمٌ نتيجة هذه الأوضاع، ولذلک کان يَعظهم أحياناً، ويُجيبهم علي اعتراضاتهم، ويبيّن لهم الحقيقة، ولم يخرجهم من المساجد، ولا قطع عنهم عطاءهم، وکان يقول لهم کما في مستدرک الوسائل عن (دعائم الإسلام): «لکم عندنا خصال: لا نمنعکم مساجد اللَّه أن تصلّوا فيها، ولا نمنعکم الفي ء ما کانت أيديکم مع أيدينا، ولا نبدؤکم بحرب حتّي تبدؤونا»، الحديث.[1] .

لکنّ الکلام الحقّ الّذي کان يتفوّه به عليّ عليه السلام لم يُجد نفعاً مع هؤلاء، وبلغ بهم جهلهم وحمقهم أن يخرجوا علي عليّ عليه السلام في أربعة آلاف، فاجتمعوا عند النهروان، وشنّوا حرباً غير مدروسة ضدّ عليّ عليه السلام، فاستأصالهم ولم ينجُ منهم إلّا تسعة نفر، ولم يُقتل من جيش عليّ عليه السلام إلّا تسعة شهداء.[2] .

فلمّا انتهي الأمر هنا قال عليّ عليه السلام: «لا تقتلوا الخوارج بعدي...».[3] ومن أجل زيادة الإيضاح نورد نماذج من التصرّفات المشينة للخوارج مع عليّ عليه السلام لتتجلّي عظمة عليّ عليه السلام وصبره، وليکون درساً واُسوة للجميع.







  1. مستدرک الوسائل 254:2.
  2. راجع: نهج البلاغة: الخطبة 59.
  3. المصدر المتقدّم: 141، الخطبة 60.