كلمة في سيرته مع معارضيه في الحكومة











کلمة في سيرته مع معارضيه في الحکومة



کان عليّ عليه السلام يمثّل نموذجاً حيّاً لحکومة العدل الإلهي، في کلّ المجالات، وعلي کلّ الأصعدة والجبهات؛ إذ أنّ مراعاة العدالة لا تنحصر لديه عليه السلام في تقسيم أموال بيت المال وحسب، کما لا تنحصر مع الأصدقاء دون غيرهم من النّاس، بل إنّه کان في الحرب والسلم، مع العدوّ والصديق، يسير بسيرة الرسول صلي الله عليه و آله العادلة.

لم يکن عليّ عليه السلام مستعدّاً لتجنّب مسير الحقّ لأجل هذه الدنيا الفانية حتّي مع ألدّ أعدائه وخصومه، فإنّه کان يقدّم رضي اللَّه جلّ وعلا علي کلّ شي ء، ويعمل وفقاً للموازين الإلهيّة العدالة، وکان في تعامله مع معارضيه وأعدائه يأخذ بنظر الاعتبار بقاء الإسلام وديمومته لابقائه هو وحسب، ولو کان يريد البقاء لتعامل مع معارضيه کما تعاملوا هم معه ومع ذرّيّته وأولاده عليهم السلام، ولو کان يريد البقاء لاستأصلهم واستخدم أقصي أساليب القمع والإرهاب ضدّهم من نفي وطرد وإبعاد وسجن، ولخنق أصواتهم أو لأمالهم إليه بالمال والترغيب... أبي عليه السلام أن يعمل ذلک أو غيره وما کان يعمل بهم إلّا بما أملته عليه مبادئ الإسلام ولم ينحرف عن صراطه المستقيم قيد أنملة.

في هذا الفصل سنتطرّق إلي موقفه عليه السلام مع معارضيه وأعداء حکومته عليه السلام؛ ذلک الموقف الّذي نوّر صفحات التأريخ ووجه الإسلام، يتجلّي فيه موقف الإسلام من الغير بأبهي صوره.

إنّه عليه السلام قبل أن تشرع حرب الجمل أبدي النصيحة لمخالفي حکومته، وحين لم تنفع معهم، لم يبدأ الحرب حتّي بدؤوه بالقتال، وحين انتصر عليهم عفا عنهم وعن أموالهم، وسيّر رئيسة المعرکة المخالفين أعني عائشة معزّزة مکرّمة إلي المدينة.

ومرّة اُخري تبرز عظمة عليّ عليه السلام في موقفه مع أعدائه في صفّين حين ملک الماء عليهم وماحرمهم منه في الوقت الّذي کان قادراً علي ذلک، ورغم أنّهم حرموه منه قريباً.

وتظهر عظمته عليه السلام مرّة اُخري في موقفه الرجولي مع أهل النهروان؛ إذ دعاهم إلي الکوفة مراراً، وأبلغ وجاهد في النصيحة لهم، رغم أنّهم قد قتلوا أصحابه ظلماً وعدواناً، کما أنّه لم يقطع عطاءهم من بيت المال، وحينما يواجهونه بالإهانة في مسجد الکوفة کان يبالغ في النصيحة. وحينما تواقفوا للحرب لم يشرع في حربهم حتّي شرعوا في حربه عليه السلام، وأمثال هذه المواقف کثيرة لا يبلغها الإحصاء.

فداک نفسي وأبي واُمّي وولدي يا أبا الحسن.. أين نجد مثلک في العدل والإحسان والحقّ؟.. بل ليت الحکومات الإسلاميّة تطبّق ولو ذرّة من اُسلوبک في الحکومة، ولم يسوّدوا وجه الإسلام الناصع بأعمالهم الشنيعة المخالفة لمبادئه الحقّة.