الفرق بين القانون الإسلامي وغيره











الفرق بين القانون الإسلامي وغيره



امتاز قانون الإسلام عن غيره من القوانين الوضعيّة بأنّه لا يفرّق بين أفراد النوع الإنساني في سريان القوانين الحقوقيّة والجزائيّة عليهم، ولا فرق فيه بين الرئيس والمرؤوس، والراعي والرعيّة، والقويّ والضعيف، والعربي والأعجمي، والأبيض والأسود، والغني والفقير، بل القانون للجميع واحد، والحاکم واحد، والمحکمة أيضاً واحدة. نعم، مَن کان متّقياً ورعاً فإنّه يتمتّع بکرامة وقدسيّه ومنزلة معنويّة، إلّا أنّ ذلک لا يؤثّر في سراية القانون عليه، قال اللَّه تعالي: «إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاکُمْ».[1] .

وفي (تفسير القرطبي): عن أبي نضرة، قال: حدّثني أو حدّثنا مَن شهد خطب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بمني في وسط أيّام التشريق، وهو علي بعير، فقال: «يا أيّها النّاس، ألا إنّ ربّکم واحد، وإنّ أباکم واحد، ألا لا فضل لعربي علي عجمي، ولا لعجمي علي عربي، ولا لأسودٍ علي أحمر، ولا لأحمر علي أسود إلّا بالتقوي، ألا هل بلّغتُ؟»، قالوا: نعم، قال: «ليبلّغ الشاهدُ الغائب».[2] .

نعم، المراکز والمناصب في الإسلام لا تنال إلّا بالقابليّات، ولا تمنح جزافاً، وأمّا القوانين فإنّها شاملة لجميع علي حدّ سواء، ولا يوجب الاختلاف في النسب أو اللون أو الوطن أو اللغة أو المنصب تفاوتاً في المسؤوليّة أمامها.

قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «النّاس کأسنان المشط سواء».[3] .

وعنه أيضاً صلي الله عليه و آله: «لَن تُقدّس اُمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القويّ غير متعتع».[4] وقد جسّد النبيّ صلي الله عليه و آله هذه المساواة حين طبّقها علي نفسه في قصّته مع سوادة بن قيس في آخر عمره الشريف صلي الله عليه و آله، کما في الحديث التالي.

روي المحدث القمي في (سفينة البحار): إنّ سوادة بن قيس هو الّذي قال للنبيّ صلي الله عليه و آله في أيّام مرضه صلي الله عليه و آله: يا رسول اللَّه، إنّک لمّا أقبلت من الطائف استقبلتک وأنت علي ناقتک العضباء، وبيدک القضيب الممشوق، فرفعتَ القضيبت وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني، فأمره النبيّ صلي الله عليه و آله أن يقتصّ منه، فقال: اکشف لي عن بطنک يا رسول اللَّه، فکشف عن بطنه، فقال سوادة: أتأذن لي أن أضع فمي علي بطنک؟ فأذن له، فقال: أعوذ بموضع القصاص من رسول اللَّه من النّار يوم النّار.

فقال صلي الله عليه و آله: «يا سوادة بن قيس، أتعفو أم تقتصّ؟»، فقال: بل أعفو يا رسول اللَّه، فقال: «اللّهمّ اعف عن سوادة بن قيس کما عفا عن نبيّک محمّد».[5] .

وفي صحيح البخاري: في کتاب الحدود، باب کراهية الشفاعة في الحدّ بسنده: عن عروة، عن عائشة: أنّ قريشاً أهمّتهم المرأة المخزوميّة الّتي سَرَقَت، فقالوا: مَن يُکَلِّم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وَمَن يجترئ عليه إلّا اُسامة حِبُّ[6] رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فکلّم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فقال رسول اللَّه: «أتشفعَ في حدٍّ من حدود اللَّه؟»، ثمّ قام فخطب، قال: «يا أيّها النّاسُ، إنّما ضلّ مَنْ قَبلَکُم إنّهم کانوا إذا سَرَق الشريف تَرکوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحدّ، وَأيمُ اللَّه، لو أنّ فاطمة بنت محمّد سَرَقَتْ لقطع محمّدٌ يدها».[7] .







  1. سورة الحجرات: 13.
  2. تفسير القرطبي 342:16.
  3. من لا يحضره الفقيه 379:4، ح 5798.
  4. شرح نهج البلاغة للفيض: 1012، الکتاب 53. التقديس: التطهير. غير متعتع: أي غيرمضطرب.
  5. سفينة البحار 671:1، حرف السين.
  6. حِبّ - بکسر الأوّل -: حبيب.
  7. صحيح البخاري بشرح الکرماني 189:23، ح 6386.