نظرة في تسمية عليّ بأمير المؤمنين











نظرة في تسمية عليّ بأمير المؤمنين



اعلم أنّ هناک روايات وأخبار کثيرة عن النبيّ صلي الله عليه و آله والأئمّة المعصومين عليهم السلام بلغت حدّ التواتر المعنويّ علي أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام قد سمّي بأمير المؤمنين في عهد النبيّ صلي الله عليه و آله، بل يفهم من بعضها أنّه سمّي بذلک اللقب قبل خلق آدم من قِبل اللَّه تعالي.

وقد روي في (غاية المرام) في هذا المعني اثنتين وأربعين حديثاً من طريق العامّة، وثمانية وثلاثين حديثاً من طريق الخاصّة. وعلي هذا فإنّ تسميته عليه السلام بذلک لم تُستحدث له أيّام خلافته، ولا کانت من شخص الرسول صلي الله عليه و آله؛ لأنّه عليه السلام صهره وابن عمّه، بل إنّ هذا اللقب کان من عند اللَّه تعالي، وقد أبلغه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ويعدّ من فضائله عليه السلام ومناقبه.

ومن تلک الأخبار - کما سيأتي بعضها إن شاء اللَّه - يظهر ضعف إيراد ابن أبي الحديد المعتزلي (شارح نهج البلاغة) حيث قال: وتزعم الشيعة أنّه خوطب في حياة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بأمير المؤمنين، خاطبه بذلک جملة من المهاجرين والأنصار، ولم يثبت ذلک في أخبار المحدثين.

وضعفه ظاهر ممّا سيأتي في الأخبار من أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله خاطبه بأمير المؤمنين، ويستفاد من بعضها أنّه من الألقاب المخصوصة به عليه السلام، ولا يجوز أن يلقّب به غيره. وعلي هذا فلا يسمّي أبا بکر بأمير المؤمنين قطّ، وأمّا عمر فبعد سنوات من خلافته سمّي بذلک کما يشهد بذلک ما ورد في السيرة والتاريخ، فنذکر ما يدلّ علي ذلک فيما يلي:

روي الحاکم النيشابوري من طريق ابن شهاب: إنّ عمر بن عبدالعزيز سأل أبا بکر بن سليمان بن أبي خيثمة: لأيّ شي ءٍ کان يُکتب من خليفة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في عهد أبي بکر، ثمّ کان عمر يکتب من خليفة أبي بکر، فمن أوّل من کتب من أمير المؤمنين؟

فقال: حدّثني الشفّاء[1] وکانت من المهاجرات الاُول: أنّ عمر بن الخطّاب کتب إلي عامل العراق بأن يبعث إليه رجلين جلدين يسألهما عن العراق وأهله، فبعث عامل العراق بلبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم، فلمّا قدما المدينة أناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثمّ دخلا المسجد، فإذا هما بعمرو بن العاص، فقالا: استأذن لنا - يا عمرو - علي أمير المؤمنين. فقال عمرو (بن العاص): أنتما واللَّه أصبتما اسمه، هو الأمير، ونحن المؤمنون، فوثب عمرو فدخل علي عمر، فقال: السلام عليک يا أمير المؤمنين. فقال عمر: ما بدا لک في هذا الاسم يابن العاص، ربّي علم لتخرجنّ ممّا قلت. قال: إنّ لبيد بن ربيعة وعديّ بن حاتم قدما فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثمّ دخلا علَيّ، فقالا لي: استأذن لنا يا عمرو علي أمير المؤمنين، فهما واللَّه أصابا اسمک، نحن المؤمنون وأنت أميرنا، قال: فمضي به الکتاب من يومئذٍ.[2] .

وروي الطبري عن اُمّ عمرو بنت حسّان الکوفيّة عن أبيها، قالت: لمّا ولي عمر، قيل: يا خليفة خليفة رسول اللَّه، فقال عمر: هذا أمر يطول، کلّما جاء خليفة قالوا: يا خليفة خليفة رسول اللَّه، بل أنتم المؤمنون وأنا أميرکم، فسمّي أمير المؤمنين.[3] .

وفي (الغدير) عن ابن خلدون في (مقدّمة تاريخه) ص227: اتّفق أن دعا بعض الصحابة عمر: يا أمير المؤمنين، فاستحسنه النّاس واستصوبوه ودعوه به، فقال: إنّ أوّل من دعا بذلک عبداللَّه بن جحش، وقيل عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وقيل: بريد جاء بالفتح من بعض البعوث ودخل المدينة وهو يسأل عن عمر، ويقول: أين أمير المؤمنين، فسمعها أصحابه فاستحسنوه وقالوا: أصبت واللَّه اسمه، إنّه واللَّه أمير المؤمنين حقّاً، فدعوه بذلک، وذهب لقباً له في النّاس، وتوارثه الخلفاء من بعده سمة لا يشارکهم فيها أحدٌ سواهم، إلّا سائر دولة بني اُميّة.[4] .

قال العلّامة الأميني: فصريح هذه النقول أنّ عمر نفسه ما کانت له سابقة علم بهذا اللقب لا عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ولا عن غيره؛ ولذلک استغربه وقال: ربّي يعلم لتخرجنّ ممّا قلت، ولا کان عمرو بن العاص يعلم ذلک، ولذلک نسب الإصابة بالتسمية إلي الرجلين ونحت لها من عنده ما يبرّرها، ولا کانت عند الرجلين - اللذين صحّ کما مرّ أنّهما هما اللذان سمّياه - أثارة من علم بما جاء به ابن کثير، وإنّما هو شي ء جري علي لسانهما، وصريح رواية الطبري أنّ عمر هو الّذي رأي هذه التسمية، وابن خلدون لم يذکر قولاً: بأنّ الرسول صلي الله عليه و آله هو الّذي سمّاه.[5] .

والّذي سمّاه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أمير المؤمنين هو مولانا عليّ عليه السلام، وبما أنّه أمير المؤمنين فيجب علي المؤمنين الطاعة لأوامره، والزجر عن نواهيه، فلا يجوز لغيره أن يأمره أبداً، ومن ذلک يظهر أنّ الخلافة بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله مختصّة به.

وقبل نقل الروايات الواردة في المقام نشير إلي توضيح منّا في لفظة الأمير:

قال العلّامة المجلسي: الميرة - بالکسر -: جلب الطعام. يقال: مار عياله يمير ميراً، وأمارهم وامتار لهم، ويرد عليه أنّ الأمير فعيل من الأمر لا من الأجوف، ويمکن التفصّي عنه[6] بوجوه:

الأوّل: أن يکون علي القلب، وفيه بعد من وجوه لا تخفي.

الثاني: أن يکون (أمير) فعلاً مضارعاً علي صيغة المتکلّم، ويکون عليه السلام قد قال ذلک ثمّ اشتهر به کما في تأبّط شرّاً.

الثالث: أن يکون المعني أنّ اُمراء الدنيا إنّما يسمّون بالأمير لکونهم متکفّلين لميرة الخلق، وما يحتاجون إليه في معاشهم بزعمهم، وأمّا أمير المؤمنين عليه السلام فإمارته لأمر أعظم من ذلک؛ لأنّه يميرهم ما هو سبب لحياتهم الأبديّة وقوّتهم الروحانيّة، وإن شارک سائر الاُمراء في الميرة الجسمانيّة، وهذا أظهر الوجوه.[7] .







  1. الشفاء: هي جدّة أبي بکر بن سليمان.
  2. الغدير 86:8.
  3. تاريخ الطبري 277:3.
  4. الغدير 86:8 و 87.
  5. المصدر المتقدّم.
  6. تفصّي عن الأمر: تخلّص، وتفصّاه: تقصّاه.
  7. البحار 293:37.