مصادرة الأموال الموهوبة بغير حقّ
روي ابن أبي الحديد المعتزلي في ذيل هذه الخطبة، عن ابن عبّاس: أنّ عليّاً عليه السلام خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة، فقال: «ألا إنّ کلّ قطيعة[2] أقطعها عثمان وکلّ مالٍ أعطاه من مالِ اللَّه، فهو مردودٌ في بيت المال، فإنّ الحقّ القديم لا يُبطله شي ء، ولو وجدتُه قد تزوّج به النساء وُفرّق في البلدان لرددتُه إلي حاله، فإنّ في العدل سعة و من ضاف عليه الحق، فالجور عليه أضيق».[3] . ثم قال ابن أبي الحديد عن الکلبي أنّه قال: ثمّ أمر عليه السلام بکلّ سلاح وجد لعثمان في داره، ممّا تقوّي به علي المسلمين فقبض، وأمر بقبض نجائب کانت في داره من إبل الصدقة فقبضت، وأمر بقبض سيفه ودرعه، وأمر ألّا يعرض لسلاح وُجد له لم يقاتل به المسلمين، وبالکفّ عن جميع أمواله الّتي وجدت في داره وفي غير داره[4] وأمر أن تُرتجع الأموال الّتي أجاز بها عثمان حيث اُصيب أو اُصيب أصحابها. فبلغ ذلک عمرو بن العاص، وکان بأيلَة من أرض الشام، أتاها حيث وثب النّاس علي عثمان، فنزلها فکتب إلي معاوية: ما کنت صانعاً فاصنع؛ إذ قَشَرکَ ابن أبي طالب من کلّ مالٍ تملّکه کما يُقشّر عن العصا لحاها.[5] . أقول: والمقصود من قوله عليه السلام: «إنّ في العدل سعة»، أي: سعة الإمام والاُمّة معاً؛ إذ الاُمّة تطمئنّ نفوسها تحت لواء العدل فتنقاد قهراً للحکومة العادلة الحافظة لحقوقها، وبذلک يري الحاکم أيضاً سعة وراحة، وأمّا جور الحاکم فيوجب في المآل مخالفة الاُمّة له وثورتها عليه، فيضيق الأمر علي الإمام والاُمّة معاً.[6] . وفي (دعائم الإسلام): روينا عن عليّ عليه السلام: «أنّه لمّا بايعه النّاس أمر بکلّ ما کان في دار عثمان من مال وسلاح، وکلّ ما کان من أموال المسلمين فقبضه، وترک ما کان لعثمان ميراثاً لورثته».[7] . وفي (مروج الذهب): قال: وانتزع عليّ عليه السلام أملاکاً کان عثمان أقطعها جماعةً من المسلمين، وقسّم ما في بيت المال علي النّاس، ولم يفضّل أحداً علي أحد.[8] .
عندما تسلّم عليّ عليه السلام زمان حکومة المسلمين بعد عثمان صادر کلّ الأموال الموهوبة بغير حقّ إلي طبقة الأشراف، وقد بيّن سياسته للنّاس عبر خطبته الّتي يقول فيها (فيما ردّه علي المسلمين من قطائع): «وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ، وَمُلِکَ بِهِ الْإِمَاءُ، لَرَدَدْتُهُ، فَإِنَّ في العَدْلِ سَعَةً. وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ العَدْلُ، فَالجَوْرُ عَلَيْهِ أَضيَقُ!».[1] .