كلام نقيب البصرة في مساواته والرسول في كثير من الفضائل











کلام نقيب البصرة في مساواته والرسول في کثير من الفضائل



ثمّ نقل الشارح المعتزلي کلام نقيب البصرة - أبي جعفر بن أبي زيد الحسني - حيث قال: إنّه لا فرق عند من قرأ السيرتين: سيرة النبيّ صلي الله عليه و آله وسياسة أصحابه أيّام حياته، وبين سيرة أمير المؤمنين وسياسة أصحابه أيّام حياته.

فکما أنّ عليّاً عليه السلام لم يزل أمره مضطرباً معهم بالمخالفة والعصيان والهرب إلي أعدائه، وکثرة الفتن والحروب، فکذلک کان النبيّ صلي الله عليه و آله لم يزل ممنوّاً بنفاق المنافقين وأذاهم، وخلاف أصحابه عليه، وهرب بعضهم إلي أعدائه، وکثرة الحروب والفتن.

وکان يقول: ألست تري القرآن العزيز مملوءاً بذکر المنافقين والشکوي منهم، والتألّم من أذاهم له، کما أنّ کلام عليّ عليه السلام مملوءاً بالشکوي من منافقي أصحابه والتألّم من أذاهم له والتوائهم عليه.

ثمّ ذکر آيات کثيرة متضمّنة لنفاق المنافقين والشکوي منهم[1] إلي أن قال: ومن تأمّل الرجلين (أي النبيّ صلي الله عليه و آله وعليّاً عليه السلام) وجدهما متشابهين في جميع اُمورهما أو في أکثرها...

ثمّ قال أبو جعفر: ومن العجب أنّ أوّل حروب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله کانت بدراً، وکان هو صلي الله عليه و آله المنصور فيها، وأوّل حروب عليّ عليه السلام الجمل، وکان هو المنصور فيها، ثمّ من صحيفة الصلح والحکومة يوم صفّين نظير ما کان من صحيفة الصلح والهدنة يوم الحدبيبّة.

ثمّ دعا معاوية في آخر أيّام عليّ عليه السلام إلي نفسه وتسمّي بالخلافة، کما أنّ مسيلمة الکذّاب، والأسود العنسي دَعَوا إلي أنفسهما في آخر أيّام رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وتسمّيا بالنبوّة، واشتدّ علي عليّ عليه السلام ذلک کما اشتدّ علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أمر الأسود ومسيلمة، وأبطل اللَّه أمرهما بعد وفاة النبيّ صلي الله عليه و آله، وکذلک أبطل اللَّه أمر معاوية وبني اُميّة بعد وفاة عليّ عليه السلام.

ولم يحارب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أحد من العرب إلّا قريش ما عدا يوم حنين، ولم يحارب عليّاً عليه السلام أحد من العرب إلّا قريش ما عدا يوم النهروان.

ومات عليّ عليه السلام شهيداً بالسيف، ومات رسول اللَّه صلي الله عليه و آله شهيداً بالسمّ، وهذا لم يتزوّج علي خديجة اُمّ أولاده حتّي ماتت، وهذا لم يتزوّج علي فاطمة اُمّ أشرف أولاده حتّي ماتت، ومات رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عن ثلاث وستّين سنة، ومات عليّ عليه السلام عن مثلها.

وکان يقول: انظروا إلي أخلاقهما وخصائصهما، هذا شجاع وهذا شجاع، وهذا فصيح وهذا فصيحٌ، وهذا سخيٌّ جواد وهذا سخيٌّ جواد، وهذا عالمٌ بالشرائع والاُمور الإلهيّة وهذا عالمٌ بالفقه والشريعة والاُمور الإلهيّة الدقيقة الغامضة، وهذا زاهدٌ في الدنيا غير نِهم عليها ولا مستکثر منها، وهذا زاهدٌ في الدنيا تارک لها غير متمتّع بلذّاتها، وهذا مذيب نفسه في الصلاة والعبادة وهذا مثله، وهذا غير محبّب إليه شي ء من الاُمور العاجلة إلّا النساء وهذا مثله.

وهذا ابن عبدالمطلّب بن هاشم وهذا في قُعْدده[2] وأبواهما أخوان لأب واحد دون غيرهما من بني عبدالمطّلب، وربّي محمّد صلي الله عليه و آله في حجر والد هذا وهو أبو طالب، فکان جارياً عنده مجري أحد أولاده، ثمّ لمّا شبّ صلي الله عليه و آله وکبر استخلصه من بني أبي طالب وهو غلام، فربّاه في حجره مکافاة لصنيع أبي طالب به، فامتزج الخُلُقان وتماثلت السجيّتان، وإذا کان القرين مقتدياً بالقرين فما ظنّک بالتربية والتثقيف الدهر الطويل! فواجب أن تکون أخلاق محمّد صلي الله عليه و آله کأخلاق أبي طالب، وتکون أخلاق عليّ عليه السلام کأخلاق أبي طالب أبيه، ومحمّد صلي الله عليه و آله مربّيه، وأن يکون الکلّ شيمةً واحدة وسوساً[3] واحداً، وطينة مشترکة، ونفساً غير منقسمة ولا متجزّئة، وألّا يکون بين بعض هؤلاء وبعض فرقٌ ولا فضل، لولا أنّ اللَّه تعالي اختصّ محمّداً صلي الله عليه و آله برسالته واصطفاه لوحيه لما يعلمه من مصالح البريّة في ذلک، ومن أنّ اللطف به أکمل، والنفع بمکانه أتمّ وأعمّ، فامتاز رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بذلک عمّن سواه، وبقي ما عدا الرسالة علي أمر الاتّحاد، وإلي هذا المعني أشار صلي الله عليه و آله بقوله: «أخصِمک بالنبوّة، فلا نبوّة بعدي، وتخصم النّاس بسبع»، وقال له أيضاً: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي»، فأبان نفسه منه بالنبوّة، وأثبت له ما عداها من جميع الفضائل والخصائص مشترکاً بينهما.[4] .







  1. انظر سورة النساء: 105، سورة المجادلة: 8 و 10، سورة المنافقين، سورة محمّد صلي الله عليه و آله: 20 و 29 و 30، سورة الفتح: 11 و 12 و 15 و 30، سورة الحجرات: 4 و 5، سورة الأنفال: 1 و 6 و 7، سورة آل عمران: 152 و 153، سورة التوبة: 3 و 45، وغير ذلک.
  2. القعدد: القريب الآباء من الجدّ الأعلي.
  3. أي أصلاً.
  4. شرح ابن أبي الحديد 222 - 214: 10.