سياسته ورأيه مثل سياسة رسول اللَّه ورأيه











سياسته ورأيه مثل سياسة رسول اللَّه ورأيه



قال الشارح المعتزلي: واعلم أنّ قوماً ممّن لم يعرفوا حقيقة فضل أمير المؤمنين عليه السلام زعموا أنّ عمر کان أسوس منه، وإن کان هو أعلم من عمر، ثمّ زعم أعداؤه ومبغضوه أنّ معاوية کان أسوس منه، وأصحّ تدبيراً.

وأجاب بما ملخّصه: أنّ السائس لا يتمکّن من السياسة البالغة إلّا إذا کان يعمل برأيه وبما يري فيه صلاح ملکه وتمهيد أمره، سواء وافق الشريعة أو لم يوافقها، ومتي لم يعمل في السياسة بمقتضي ما قلناه فبعيد أن ينتظم أمره أو يستوثق حاله، وأمير المؤمنين عليه السلام کان مقيّداً بقيود الشريعة، مدفوعاً إلي اتّباعها، ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والکيد والتدبير إذا لم يکن للشرع موافقاً، فلم تکن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممّن لم يلتزم بذلک.

ولسنا بهذا القول زارين علي عمر بن الخطّاب، ولا ناسبين إليه ما هو منزّه عنه، ولکنّه کان مجتهداً يعمل بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة، ويري تخصيص عمومات النصّ بالآراء وبالاستنباط من اُصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص، ويکيد خصمه، ويأمر اُمراءه بالکيد والحيلة، ويؤدّب بالدرّة والسوط من يتغلّب علي ظنّه أنّه يستوجب ذلک.

ولم يکن أمير المؤمنين عليه السلام يري ذلک، وکان يقف مع النصوص والظواهر ولا يتعدّاها إلي الاجتهاد والأقيسة، ويطبّق اُمور الدنيا علي اُمور الدين، ويسوق الکلّ مساقاً واحداً، ولا يضع ولا يرفع إلّا بالکتاب والنصّ، فاختلفت طريقتاهما في الخلافة والسياسة، وکان عمر مع ذلک شديد الغلظة والسياسة، وکان عليّ عليه السلام کثير الحلم والصفح والتجاوز، فازدادت خلافة ذاک قوّة، وخلافة هذا ليناً - إلي أن قال: - وکلّ هذه الاُمور مؤثّرة في اضطراب أمر الوالي وانحلال معاقد ملکه، ولم يتّفق لعمر شي ء من ذلک، فشتّان بين الخلافتين فيما يعود إلي انتظام المملکة وصحّة تدبير الخلافة.

فإن قلت: فما قولک في سياسة الرسول صلي الله عليه و آله وتدبيره؟ أليس کان منتظماً سديداً مع أنّه کان لا يعمل إلّا بالنصوص والتوقيف من الوحي! فهلّا کان تدبير عليّ عليه السلام وسياسته کذلک؟! إذا قلتم: إنّه لا يعمل إلّا بالنصّ.

قلت: أمّا سياسة الرسول صلي الله عليه و آله وتدبيره فخارج عمّا نحن فيه؛ لأنّه معصوم لا تتطرّق الغفلة إلي أفعاله، ولا واحداً من هذين الرجلين بواجب العصمة عندنا[1] إلي آخر کلامه.[2] .

أقول: إنّ سياسة عليّ عليه السلام بعين سياسة الرسول صلي الله عليه و آله بلا فرق بينهما الا أن زمانه عليه السلام مع فصل طويل بين الاسلام الأصيل المحمّدي و خلافة عليّ عليه السلام يقتضي شرائط يوجب شدّة عمله عليه السلام دون عصر النبي صلي الله عليه و آله فانّه في بداية الاسلام فمقتضي الشرايط هو ما عمل به النبيّ صلي الله عليه و آله. و الا في أصل السياسة کلاهما عليهماالسلام علي حذو واحد.







  1. لا يخفي أنّ اعتقادنا نحن الإمامية في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه معصوم کالنبيّ صلي الله عليه و آله، واختلافهما في الوحي والنبوّة، کما روي ابن أبي الحديد في شرحه 222:10 عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «أخصمُک بالنبوّة، ولا نبوّة بعدي، وتخصم النّاس بسبع»، وقد قرّرنا عصمة الإمام عليه السلام اختصاراً في فصل: (عليّ عليه السلام والإمامة والحکومة).
  2. شرح ابن أبي الحديد 212:10.