سياسة عليّ ورأيه لحساب الدين و بقاء الإسلام











سياسة عليّ ورأيه لحساب الدين و بقاء الإسلام



قال ابن أبي الحديد: وإنّما قال أعداؤه: لا رأي له لأنّه کان متقيّداً بالشريعة لا يري خلافها، ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه، وقد قال عليه السلام: «لولا الدين والتقي لکنتُ أدهي العرب»، وغيره من الخلفاء کان يعمل بمقتضي ما يستصلحه ويستوقفه، سواء أکان مطابقاً للشرع أم لم يکن.

ولا ريب أنّ من يعمل بما يؤدّي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمتنع لأجلها ممّا يري الصلاح فيه، تکون أحواله الدنيويّة إلي الانتظام أقرب، ومن کان بخلاف ذلک تکون أحواله الدنيويّة إلي الانتثار أقرب.[1] .

أقول: إنّ عليّاً عليه السلام يعرف الفرص والأسباب الّتي يبلغ معها الملک والسلطنة الطويلة، ولکنّه لا يستفيد منها علي حساب دينه، وإنّه عليه السلام لا يعلم من النجاح والظفر إلّا مرضاة اللَّه والعمل بالحقّ والعدل، فإنّه عليه السلام لم يکن طالب ملک ولا إمارة ولا طالب دنيا، وإنّما کان هدفه الأعلي، ومقصده الوحيد، وغايته المطلوبة رضي اللَّه وإقامة عمود الحقّ ومحو الباطل، و أنّ الدنيا والمال والملک لا تساوي عنده جناح بعوضة، فکيف يمکن أن يتوصّل إليها بضدّ ما هو هدفه ومقصده وغايته؟!

ولم يکن يطمح إلي الوصول إلي الملک والإمارة من أيّ طريق کان، وبأيّ وجه اتّفق، ولا يستحلّ التوصّل إلي تثبيت ملکه بشي ء يخالف الشرع من قتل النفوس البريئة ونقض العهود ودسّ السموم وسلب الأموال والمداهنة وغير ذلک، ومن کانت هذه صفته وهذه حاله لا يصحّ أن ينسب إليه القصور في الرأي والضعف في التدبير، ولا أن يوصف خصمه الّذي کان يسعي إلي تحصيل الملک والإمارة بکلّ ما يمکنه بأنّه أصحّ منه تدبيراً وأسدّ رأياً، فنسبة عدم الرأي إلي من يدبّر أمراً ليتوصّل به إلي مطلوبه فتکون نتيجته بالعکس لجهله بمواقع الاُمور، وشي ء من هذا لم يحصل لأمير المؤمنين عليه السلام، ولا يمکن أن يحصل فهو أعلم النّاس بمواقع الاُمور، وقد أبان عن هذا مراراً في مواقف متعدّدة بعبارات مختلفة، منها قوله: «واللَّهِ! ما معاويةُ بأدهي منّي».[2] .

وقال عليه السلام: «وَلَقَدْ أَصْبَحْنا في زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَکْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ کَيْساً، وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلي حُسْنِ الْحِيلَةِ. مَا لَهُمْ! قَاتَلَهُمُ اللَّهُ! قَدْ يَرَي الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لَا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ».[3] .







  1. شرح ابن أبي الحديد 28:1.
  2. نهج البلاغة: الخطبة 200.
  3. نهج البلاغة: الخطبة 41.