سوال وجواب











سوال وجواب



بما إنّنا نهدف في هذا الفصل إثبات إمامة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام يُطرح هنا سؤال بأنّه ما فائدة البحث عن إمامة عليّ بن أبي طالب في هذا الزمان، مع أنّ الخلافة بعد النبيّ أمرٌ تاريخيٌ قد مضي زمنه، ولا يفيد المسلمين البحث حوله، الّذي لا يرجع إليهم بشي ء في حياتهم المعاصرة، مضافاً إلي أنّ الحريّ ترک هذا البحث حفظاً للوحدة بين فِرَق المسلمين.

نقول في الجواب: بأنّه لا شکّ أنّ أعظم خلاف وقع بين الاُمّة اختلافهم في الإمامة، وما سُلّ سيف في الإسلام علي قاعدة دينيّة مثل ما سُلّ علي الإمامة، وعلي مسار التاريخ الإسلامي تُشکّل الإمامة محوراً أساسيّاً لأهمّ التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة؛ وذلک لأنّها عامل لبقاء النبوّة وديمومتها، بل وتحديد مصير الإسلام المحمّدي الأصيل، وأمّا واجب المسلمين في السعي وراء الوحدة ليس معناه ترک البحث وغلق ملفّ الدراسة، فإنّه إذا کان البحث نزيهاً موضوعيّاً مؤثّراً في توحيد الصفوف وتقريب الخطي، عندئذٍ تتعرّف کلّ طائفة ما لدي الاُخري من العقائد والاُصول، وبالتالي تکون الطائفتان متقاربتين، وهذا بخلاف ما إذا ترکنا البحث مخافة الفُرقة، فإنّه يثير سوء ظنّ کلّ طائفة بالنسبة إلي الاُخري في مجال العقائد والمعارف، فربّما تتصوّر کلّ طائفة الاُخري أجنبيّةً عن الإسلام.

ثمّ إنّ لمسألة البحث عن الإمامة بعد النبيّ بُعدين: أحدهما بُعدٌ تاريخيّ مضي عمره، ولا ثمرة مرجوّة من البحث فيه، والثاني بُعدٌ دينيّ باقٍ أثره إلي يومنا هذا، وعلي کلّ مسلم يجب الأخذ به، وهو أنّه إذا صحّ تنصيب عليّ بن أبي طالب لمقام الولاية والخلافة بالمعني الّذي تتبنّاه الإماميّة، يکون الإمام وراء کونه زعيماً في ذلک العصر، مرجعاً في رفع المشاکل الّتي خلّفتها رحلة النبيّ، فيجب علي المسلمين الرجوع إليه ومَن بعده من العترة الطاهرة، في تفسير القرآن وتبيينه، وفي مجال الموضوعات المستحدثة الّتي لم يرد فيها النصّ في الکتاب والسنّة، وفي مجال المعارف والمسائل الشرعيّة باُصولها وفروعها، فهذا بعدٌ باقٍ إلي يومنا هذا وإلي قيام القائم (عجّل اللَّه فرجه)، فليس البحث متلخّصاً في البُعد السياسي حتّي نشطب عليه بدعوي أنّه مضي ما مضي، بل له - کما عرفت - مجال ومجالات باقية.[1] .

فإذا وصل البحث إلي هنا، يجب علينا الترکيز علي مسألة اُخري، وهي أنّ النبيّ الأکرم لم يزل يُهيب بالجاهلين، ويصرّح في الغافلين، داعياً إلي التمسّک بالکتاب والعترة معاً، وهذا تصريح بأنّ لقيادة العترة الطاهرة وراء الزعامة السياسيّة المجدّدة بوقت خاصّ وزمن حياتهم بُعداً خالداً إلي يوم القيامة، وهو لزوم الانکباب عليهم فيما يطرأ علينا من الحوادث والوقائع الدينيّة، وکلّ ما يمتّ إلي الدين بصلة، وتتطلّب الجواب والاهتداء منهم، ولأجل هذا يجب علينا التعرّف علي هذا القسم من الأدلّة الّتي تثبت تنصيب عليّ عليه السلام للإمامة والخلافة بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.







  1. انظر الملل والنحل 72:1، وکتاب الإلهيّات محاضرات الاُستاذ الشيخ جعفر السبحاني 639 - 509: 2.