مقام الإمامة أعظم المقامات الإلهيّة
وبعبارة أوضح: لنبيّ الإسلام صلي الله عليه و آله ثلاثة مناصب إلهيّة: النبوّة، والرسالة، والإمامة، أمّا الأئمّة الاثنا عشر (صلوات اللَّه عليهم) وعلي رأسهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فکانوا أصحاب منصب الإمامة وحده من قِبل اللَّه تعالي دون النبوّة والرسالة، فمن اتّهم الشيعة الإماميّة بأنّهم اعتقدوا تقدّم عليّ بن أبي طالب عليه السلام علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فهو افتراء بحت وبهتان. هذا، والدليل علي أنّ الإمامة فوق منصب النبوّة والرسالة، وهي عهد من اللَّه تعالي، ومجعول من قِبله لمن اصطفاه إماماً، قوله تعالي: «وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِکَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»[3] فإنّ اللَّه سبحانه خصّ إبراهيم بالإمامة بعد النبوّة والرسالة، بل هذا العهد لإبراهيم کان في أواخر عمره الشريف، وبعد مجي ء البشارة له بإسماعيل وإسحاق، وقد کان إبراهيم حينئذٍ نبيّاً مرسلاً، فإمامته کانت بعد نبوّته ورسالته. وادّعي بعض المفسّرين أنّ المراد بالإمامة في الآية «إِنِّي جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَاماً» هي النبوّة. وهو في غاية السقوط؛ لأنّه سبحانه إنّما جعله إماماً بعدما کان نبيّاً ورسولاً، بشهادة أنّه يطلب هذا المقام لذرّيّته، وإنّما صار ذا ذرّيّة بعدما کبر وهرم، قال: «الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَي الْکِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ».[4] . وقد کان نبيّاً قبل أن يُرزق ولداً، بل المراد هو الإمامة المتمثّلة في الحاکميّة والقيادة، فدعا إبراهيم أن يجعل اللَّه تعالي هذا المقام في ذرّيّته، علي النحو الّذي جعله فيه (بالتنصيب) ولم يَرُدَّهُ سبحانه، وما أنکره عليه، بل أخبره بأنّها لا تنال الظالمين منهم.[5] . ويؤيّد ذلک ما رود في (الکافي) بسنده عن زيد الشحّام، قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «إنّ اللَّه تبارک وتعالي اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبيّاً، وإنّ اللَّه اتّخذه نبيّاً قبل أن يتّخذه رسولاً[6] وإنّ اللَّه اتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً، وإنّ اللَّه اتّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً، فلمّا جمع له الأشياء قال: «إِنِّي جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَاماً»، قال: فمن عظمها في عين إبراهيم قال: «وَمِن ذُرِّيَّتِي»، قال: «لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»، قال: لا يکون السفيه إمام التقيّ».[7] . وممّا ذکرنا تظهر أهميّة مقام الإمامة الحقّة، وعرفت أنّها عهد من اللَّه بينه سبحانه وبين مَن اصطفاه لذلک، وحينما جعل اللَّه تعالي من اختاره واصطفاه إماماً، صار قدوة مفترض الطاعة، إطاعته إطاعة اللَّه، ومخالفته مخالفة اللَّه، کما قال اللَّه تعالي: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْکُمْ».[8] .
ليس فوق مقام الإمام الحقّة مقام، بل هو أعظم المناصب الإلهيّة، والقيام بالإمامة أفضل الأعمال والعبادات[1] بل کان هذا المنصب أفضل وأعظم من النبوّة والرسالة، ولا يتوهّم أنّ مقام الأئمّة الاثني عشر فوق مقام نبيّ الإسلام صلي الله عليه و آله حاشا وکلّا، بل النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله مضافاً إلي تسنّمه مقام النبوّة والرسالة، کان إماماً أيضاً نصّاً.[2] .
ويستفاد أيضاً إمامة النبيّ وولايته من تکرار لفظ أطيعوا في آية 59 من سورة النساء: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ»؛ لأنّ اللَّه تعالي لا يُريد بإطاعته إلّا إطاعته في ما يوحيه إلينا من طريق رسوله من المعارف والشرائع، وأمّا رسوله فله حيثيّتان: إحداهما: حيثيّة التشريع بما يوحيه إليه ربّه من غير کتاب، وهو ما بيّنه للنّاس من تفاصيل ما يشتمل علي إجماله الکتاب وما يتعلّق ويرتبط بها کما قال سبحانه: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْکَ الذِّکْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ»، والثانية: ما يراه من صواب الرأي، وهو الّذي يرتبط بولايته الحکومة والقضاء کما قال تعالي: «لِتَحْکُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاکَ اللَّهُ»، وهذا هو الرأي الّذي کان يحکم به في القضاء بين النّاس وفي عزائم الاُمور، وجميع ما يرتبط باُمور الدين والدنيا، فعلي المسلمين أن يطيعوا الرسول فيما بيّنه بالوحي وفيما يراه من الرأي، وهذا معني الإمامة والحکومة. انظر تفسير الميزان 412:4.