اشكالان علي حضورهم عند المحتضر وجوابهما











اشکالان علي حضورهم عند المحتضر وجوابهما



بعد ما مضي من کلمات العلماء المستندة إلي الأخبار المتواترة عن النبيّ صلي الله عليه و آله والأئمّة المعصومين عليهم السلام في حضورهم عند المحتضر، لا تبقي شبهة في اعتقادنا في حضورهم عليهم السلام عند المحتضر، مؤمناً کان أم کافراً، ولکن لمّا کان هذا خلاف الحسّ والعقل الخالي عن الايمان، فيمکن أن يستشکل هنا بأمرين:

الأوّل: إنّنا نحضر الموتي إلي قبض روحهم ولا نري عندهم أحداً.

والثاني: إنّه يمکن أن يتّفق في آن واحد قبض أرواح آلاف من النّاس في مشارق الأرض ومغاربها، ولا يمکن حضور الجسم في زمان واحد في أمکنة متعدّدة.

أمّا الجواب عن الاشکال الأوّل، بوجوه:

أوّلاً: إنّ اللَّه تعالي قادر علي أن يحجبهم عن أبصارنا لضرب من المصلحة، کما ورد في أخبار الخاصّة والعامّة في تفسير قوله تعالي: «جَعَلْنَا بَيْنَکَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً».[1] إنّ اللَّه تعالي أخفي شخص النبيّ صلي الله عليه و آله عن اعدائه مع أنّ أولياءه کانوا يرونه صلي الله عليه و آله، وإنکار أمثال ذلک يفضي إلي إنکار أکثر معجزات الأنبياء والأوصياء.

ثانياً: إنّه يمکن أن يکون حضورهم بجسد مثالي لطيف لا يراه غير المحتضر، کحضور ملک الموت وأعوانه.

ثالثاً: إنّه يمکن أن يخلق اللَّه تعالي لکلّ منهم مثالاً بصورته، وهذه الأمثلة تکلّم الموتي، وتُبشّرهم من قبلهم عليهم السلام، وقد مرّ في بعض الأخبار ما يؤيّد ذلک.

رابعاً: إنّه يمکن أن ترتسم صورهم في الحسّ المشترک بحيث يشاهدهم المحتضر ويتکلّم معهم کما في بعض الامراض، فان المريض يهذي و يتحدث مع أشخاص ليسوا بحضرته.

خامساً: ما ذکره السيّد المرتضي رحمه الله وهو أنّ المعني أنّه يعلم في تلک الحال ثمرة ولايتهم وانحرافه عنهم؛ لأنّ المحبّ لهم يري في تلک الحال ما يدلّه علي أنّه من أهل الجنّة، وکذا المبغض لهم يري ما يدلّه علي أنّه من أهل النّار، فيکون حضورهم وتکلّمهم استعارة تمثيلية.[2] .

قال العلّامة المجلسي رحمه الله: ولا يخفي أنّ الوجهين الأخيرين بعيدان عن سياق الأخبار، بل مثل هذه التأويلات ردّ للأخبار وطعن في الآثار.[3] .

سادساً: ما ذکره العلّامة النوري رحمه الله في (دار السلام)، قال: من الاحتمالات: أن يکون المراد من الحضور کشف الحجاب عن بصر المحتضر فيراهم عليهم السلام وهم في مستقرّهم ومقامهم من ذلک العالم من دون حرکة وسير منهم لذلک، کرؤية النّاس جميعاً کوکباً معيّناً في آن واحد في أمکنة متباعدة... ومع ذلک کلّه فلا يساعده ما مرّ من الأخبار.[4] .

أقول: نعم، لا توافقه الأخبار، بل الأخبار صريحة، بأنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يجلس عند رأس المحتضر وعليّ عند رجليه أو يدنو منه و... وهذه الأخبار لا تساعد علي کشف الحجاب عن بصر المحتضر فيرونهم وهم عليهم السلام في مقامهم من دون حرکة منهم.

وأيضاً إنّ نسبة الکوکب إلي الناضرين إليه نسبة متساوية مع أنّ نسبة المعصومين عليهم السلام إلي المحتضر مختلفة فيلقون المحبّين بوجه مستبشر، والمنکرين بوجه مستنکر، وهذا يستدعي التفاتاً خاصّاً لکلّ واحد من الطائفتين، فلا يساعد الاستقرار في مکان واحد مع وضع واحد.

وأمّا الجواب عن الإشکال الثاني:

فبأنّه إنّما تتمّ الشبهة إذا ثبت وقوع هذا الاتّفاق، ومحض الإمکان لا يکفي في ذلک، مع أنّه إذا قلنا بأنّ حضورهم في الأجساد المثالية، يمکن أن يکون لهم أجساد مثالية کثيرة لما جعل اللَّه لهم من القدرة الکاملة الّتي بها امتازوا عن سائر البشر.

وفي الأجوبة الأخيرة عن الإشکال الأوّل يندفع هذا الإيراد أيضاً، ثمّ قال العلّامة المجلسي رحمه الله: والأحوط والأوْلي في أمثال تلک المتشابهات الإيمان بها وعدم التعرّض لخصوصيّتها وتفاصيلها وإحالة علمها إلي العالم عليه السلام.[5] .

أقول: والحقّ في الجواب ممّا يظهر من الأخبار بأنّهم عليهم السلام يحضرون عند المحتضر بأعيانهم لا أمثالهم وأشباههم، وحتّي حديث التمثيل مشتمل ذيله علي قوله: «فيقال له: هذا رسول اللَّه وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام رفقاؤک»، وهذه العبارات لا تساعد علي التمثل المذکور قطّ، يعني لا يجوز أن يقال لأشباههم هذا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وهذا أمير المؤمنين عليه السلام، وعلي هذا فإنّ رسول اللَّه وأمير المؤمنين وفاطمة وسائر الأئمّة عليهم السلام يحضرون عند المحتضرين بجسمهم بالقدرة الإلهيّة، واللَّه العالم بمقتضي الحال.







  1. سورة الإسراء: 45.
  2. قال الشيخ المفيد رحمه الله في أوائل المقالات ص47 نظيره کقوله: إنّ معني رؤية المحتضر للنبيّ والإمام هو العلم بثمرة ولايتهما... دون رؤية البصر لأعيانهما ومشاهدة النواظر لأجسادهما باتّساع الشعاع... الخ.
  3. البحار 200:6.
  4. دار السلام 306:4.
  5. البحار 202:6.