قصة شطيطة في عصر موسي بن جعفر











قصة شطيطة في عصر موسي بن جعفر



وروي ابن شهرآشوب رحمه الله في (المناقب): عن الإمام موسي بن جعفر عليهماالسلام، في حديث طويل: قال عليه السلام لمحمّد بن عليّ النيشابوري: «عرّف أصحابک واقرأهم منّي السلام، وقل لهم: إنّي ومن يجري مجراي من الأئمّة عليهم السلام لا بدّ لنا من حضور جنائزکم في أيّ بلد کنتم، فاتّقوا اللَّه في أنفسکم».[1] .







  1. نذکر هنا الحديث بطوله، وإن کان خارجاً عن مقالتنا، لکنّا نذکره بشارة لمحبّي أهل البيت عليهم السلام.

    عن أبي عليّ بن راشد وغيره - في خبر طويل -: أنّه اجتمعت العصابة الشيعة بنيشابور واختاروا محمّد بن عليّ النيشابوري، رفعوا إليه ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم وألفي شقّة من الثياب، وأتت شطيطة بدرهم صحيح وشقّة خام [الخام: نسيج من القطن] من غزل يدها تساوي أربعة دراهم. فقالت: إنّ اللَّه لا يستحيي من الحقّ.

    قال: فثنيت درهمها، وجاءوا بجزء فيه مسائل مل ء سبعين ورقة في کلّ ورقة مسألة، وباقي الورق بياض ليکتب الجواب تحتها. وقد خرمت کلّ ورقتين بثلاث حُزُم [حزم الشي ء: شدّه، والحزم - بضمّتين - جمع الحزام، ما يشدّ به وسط الشي ء]، وختم عليها بثلاث خواتيم، علي کلّ حزام خاتم، وقالوا: ادفع إلي الإمام ليلة، وخذ منه في غد، فإن وجدت الجزء صحيح الخواتيم فاکسر منها خمسة، وانظره هل أجاب عن المسائل، وإن لم تنکسر الخواتيم فهو الإمام المستحقّ للمال، فادفع إليه، وإلّا فردّ إلينا أموالنا.

    فدخل علي بن راشد علي الأفطح عبداللَّه بن جعفر وجرّبه وخرج عنه قائلاً: ربّ، اهدني إلي سواء الصراط، قال: فبينما أنا واقف، إذا أنا بغلام يقول: أجب مَن تريد.

    فأتي بي دار موسي بن جعفر عليه السلام، فلمّا رآني قال لي: «لِم تقنط يا أبا جعفر؟ ولِمَ تفزع إلي اليهود والنصاري، فأنا حجّة اللَّه ووليّه، ألم يعرفک أبوحمزة علي باب مسجد جدّي؟ وقد أجبتک عمّا في الجزء من المسائل بجميع ما تحتاج إليه منذ أمس، فجئني به وبدرهم شطيطة الّذي وزنه درهم ودانقان الّذي في الکيس الّذي فيه أربعمائة للوازواري والشقة الّتي في رزمة الأخوين البلخيّين».

    قال: فطار عقلي من مقاله، وأتيت بما أمرني ووضعت ذلک قِبله، فأخذ درهم شطيطة وإزارها ثمّ استقبلني، وقال: «إنّ اللَّه لا يستحيي من الحقّ. يا أبا جعفر، أبلغ شطيطة سلامي وأعطها هذه الصُرّة»، وکانت أربعين درهماً، ثمّ قال: «وأهديت لک شقّة من أکفاني من قطن قريتنا صيداء قرية فاطمة عليهاالسلام، وغزل اُختي حليمة ابنة أبي عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام».

    ثمّ قال: «وقل لها ستعيشين تسعة عشر يوماً من وصول أبي جعفر ووصول الشقّة والدراهم، فانفقي علي نفسک منها ستّة عشر درهماً، واجعلي أربعة وعشرين صدقة منک وما يلزم عنک، وأنا أتولّي الصلاة عليک، فإذا رأيتني - يا أبا جعفر - فاکتم عليَّ فإنّه أبقي لنفسک».

    ثمّ قال: «واردد الأموال إلي أصحابها، وافکک هذه الخواتيم عن الجزء، وانظر هل أجبناک عن المسائل أم لا، من قبل أن تجيئنا بالجزء». فوجدت الخواتيم صحيحة، ففتحت منها واحداً من وسطها، فوجدت فيه مکتوباً: ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال: نذرت للَّه لأعتقنّ کلّ مملوک کان في رقّي قديماً وکان له جماعة من العبيد؟

    الجواب بخطّه عليه السلام: «ليعتقنّ من کان في ملکه من قبل ستّة أشهر، والدليل علي صحّة ذلک قوله تعالي: «وَالْقَمَر قَدَّرْناهُ» الآية والحديث: من ليس له من ستّة أشهر».

    وفککت الختم الثاني فوجدت ما تحته: ما يقول العالم في رجل قال: واللَّه، لأتصدّقنّ بمال کثير فيما يتصدّق؟

    الجواب تحته بخطّه عليه السلام: «إن کان الّذي حلف من أرباب شياه فليتصدّق بأربع وثمانين شاة، وإن کان من أصحاب النعم فليتصدّق بأربع وثمانين بعيراً، وإن کان من أرباب الدراهم فليتصدّق بأربع وثمانين درهماً، والدليل عليه قوله تعالي: «وَلَقَدَ نَصَرَکُمُ اللَّه في مَواطِنَ کَثِيرَة».

    فعدت مواطن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قبل نزول تلک الآية فکانت أربعة وثمانين موطناً».

    فکسرت الختم الثالث فوجدت تحته مکتوباً: ما يقول العالم في رجل نبش قبر ميّت، وقطع رأس الميّت، وأخذ الکفن؟

    الجواب بخطّه عليه السلام: «يقطع السارق لأخذ الکفن من وراء الجزر، ويلزم مائة دينار لقطع رأس الميّت؛ لأنّا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن اُمّه قبل أن ينفخ فيه الروح، فجعلنا في النطفة عشرين ديناراً»، إلي آخر المسألة.

    فلمّا وافي خراسان وجد الّذين ردّ عليهم أموالهم ارتدّوا إلي الفطحيّة، وشطيطة علي الحقّ، فبلّغها سلامه، وأعطاها صرّته وشقّته، فعاشت کما قال عليه السلام، فلمّا توفّيت شطيطة جاء الإمام عليه السلام علي بعير له. فلمّا فرغ من تجهيزها رکب بعيره وانثني نحو البريّة وقال: «عرّف أصحابک، واقرأهم منّي السلام، وقل لهم: إنّي ومن يجري مجراي من الأئمّة عليهم السلام لا بدّ لنا من حضور جنائزکم في أي بلد کنتم، فاتّقوا اللَّه في أنفسکم». راجع المناقب لابن شهرآشوب 291:4.