خبر الناقة











خبر الناقة



و من موارد سخائه عليه السلام ما جري بين الرجل وعليّ بن أبي طالب عليه السلام عند الکعبة - شرّف اللَّه زائرها - وهو المعروف بخبر الناقة، فنذکرها مع تفصيله:

روي الصدوق في (أماليه): عن خالد بن ربعي، قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام دخل مکّة في بعض حوائجه، فوجد أعرابيّاً متعلّقاً بأستار الکعبة، وهو يقول: يا صاحب البيت، البيتُ بيتُک، والضيفُ ضيفک، ولکلّ ضيفٍ من ضيفهِ قريً[1] فاجعل قراي منک الليلة المغفرة.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه: «أما تسمعون کلام الأعرابي؟». قالوا: نعم. فقال: «اللَّه أکرمُ من أن يَرُدَّ ضيفه».

قال: فلمّا کانت الليلة الثانية وجده متعلّقاً بذلک الرکن، وهو يقول: يا عزيزاً في عزّک، فلا أعزّ منکَ في عزّک، أعزّني بعزّ عزّک في عزّ لا يعلم أحد کيف هو، أتوجّه إليک وأتوسّل إليک بحقّ محمّد وآل محمّد عليک أعطني ما لا يُعطيني أحدٌ غيرُک، واصرف عنّي ما لا يَصرفه أحدٌ غيرُک. قال: فقال أميرُ المؤمنين عليه السلام لأصحابه: «هذا واللَّه الاسم الأکبر بالسريانيّة، أخبرني به حبيبي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، سأله الجنّة فأعطاه، وسأله صرف النّار، وقد صرفها عنه».

قال: فلمّا کانت الليلة الثالثة، وجده هو متعلّق بذلک الرکن، وهو يقول: يا مَن لا يحويه مکان، ولا يخلو منه مکان، بلا کيفيّة کان، ارزق الأعرابي أربعة آلاف درهم. قال: فتقدّم إليه أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أعرابي، سألتَ ربّک القُري فقرأک، وسألتَه الجنّة فأعطاک، وسألتَه أن يصرف عنک النّار وقد صرفها عنک، وفي هذه الليلة تسأله أربعة آلاف درهم؟». قال الأعرابي: مَن أنتَ؟ قال: «أنا عليّ بن أبي طالب». قال الأعرابي: أنتَ واللَّهِ بُغيتي، وبک أنزلت حاجتي. قال: سل، يا أعرابي». قال: اُريد ألف درهم للصداق، وألف درهم أقضي به دَيني، وألف درهم أشتري به داراً، وألف درهم أتعيّش منه. قال: «أنصفت يا أعرابي، فإذا خرجت من مکّة فاسأل عن داري بمدينة الرسول».

فأقام الأعرابي بمکّة اسبوعاً، وخرج في طلب أمير المؤمنين إلي مدينة الرسول صلي الله عليه و آله ونادي: مَن يدُلُّني علي دار أمير المؤمنين عليّ؟

فقال الحسين بن عليّ من بين الصبيان: «أنا اُدلُّکَ علي دارِ أمير المؤمنين، وأنا ابنه الحسين بن عليّ». فقال الأعرابي: مَن أبوک؟ قال: «أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب». قال: مَن اُمّک؟ قال: «فاطمةُ الزهراء سيّدة نساء العالمين». قال: مَن جدّک؟ قال: «رسول اللَّه محمّد بن عبداللَّه بن عبدالمطّلب». قال: مَن جدّتک؟ قال: «خديجة بنت خويلد». قال: مَن أخوک؟ قال: «أبو محمّد الحسن بن عليّ». قال: لقد أخذت الدنيا بطرفيها، امش إلي أمير المؤمنين، وقل له: إنّ الأعرابي صاحب الضمان بمکّة علي الباب.

قال: فدخل الحسين بن عليّ عليه السلام، فقال: «يا أبه، أعرابيُّ بالباب، يزعم أنّه صاحب الضمان بمکّة».

قال: فقال: «يا فاطمة، عندک شي ء يأکله الأعرابي؟». قالت: «اللّهمّ لا». قال: «فَتَلَبَّس أمير المؤمنين عليه السلام وخرج وقال: ادعوا لي أبا عبداللَّه سلمان الفارسي». قال: فدخل إليه سلمان الفارسي، فقال أمير المؤمنين: يا أبا عبداللَّه، اعرض الحديقة الّتي غرسها رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لي علي التجّار». قال: فدخل سلمان إلي السوق وعرض الحديقة، فباعها باثني عشر ألف درهم، وأحضر المال وأحضر الأعرابي، فأعطاه أربعة آلاف درهم وأربعين درهماً نفقة، ووقع الخبر إلي سؤّال المدينة فاجتمعوا، ومضي رجلٌ من الأنصار إلي فاطمة عليهاالسلام فأخبرها بذلک، فقالت: «آجرک اللَّه في ممشاک»، فجلس عليّ عليه السلام والدراهم مصبوبة بين يديه حتّي اجتمع إليه أصحابه، فقبض قبضةً قبضةً وجعل يعطي رجلاً رجلاً حتّي لم يبق معه درهم واحد. فلمّا أتي المنزل قالت له فاطمة: «يابن عمّ، بعتَ الحائط الّذي غرسه لک والدي؟». قال: «نعم (بعته)، بخير منه عاجلاً وآجلاً». قالت: «فأين الثمن؟». قال: «دفعته إلي أعين استحييتُ أن اُذلّها بذلّ المسألة قبل أن أن تسألني».

قالت فاطمة: «أنا جائعة وابناي جائعان، ولا أشکُّ إلّا وإنّک مثلنا في الجوع، لم يکن لنا منه درهم؟»، وأخذت بطرف ثوب عليّ عليه السلام، فقال عليّ عليه السلام: «يا فاطمة، خلّيني». فقالت: «لا واللَّه أو يَحْکُمَ بيني وبينک أبي»[2] فهبط جبرئيل علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فقال: يا محمّد، ربُّک يقرؤک السلام، ويقول: اقرأ عليّاً منّي السلام، وقل لفاطمة: ليس لک أن تضربي علي يديه، ولا تلزمي بثوبه». فلمّا أتي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله منزل عليّ وجد فاطمة ملازمة لعليّ عليه السلام فقال لها: «يا بُنيّة، ما لَکِ ملازمة لعليّ؟».

قالت: «يا أبه، باع الحائط الّذي غرسته له بإثني عشر ألف درهم، لم يَحبس لنا درهماً نشتري به طعاماً». فقال: «يا بُنيّة، إنّ جبرئيل يقرؤني من ربّي السلام، ويقول: اقرأ عليّاً من ربّه السلام، وأمرني أن أقولَ لَکِ، ليس لکِ أن تضربي علي يديه، ولا تلزمي بثوبه». قالت فاطمة عليهاالسلام: «فإنّي أستغفر اللَّه ولا أعودُ أبداً». قالت فاطمة عليهاالسلام: «فخرج أبي في ناحية وزوجي في ناحية، فما لبث أن أتي أبي ومعه سبعة دراهم هجريّة، فقال: يا فاطمة، أينَ ابنُ عمّي؟». فقالت له: «خرج». فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «هاکِ هذه الدراهم، فإذا جاء ابنُ عمّي فقولي له يبتاع لکم بها طعاماً». فما لبثتُ إلّا يسيراً حتّي جاء عليّ عليه السلام فقال: «رجع ابنُ عمّي، فإنّي أجد رائحة طيّبة؟». قالت: «نعم، وقد دفع إلَيَّ شيئاً تبتاع به لنا طعاماً». قال عليّ عليه السلام: «هاتيه»، فدفعت إليه سبعة دراهم سوداً هجريّةً».

فقال: «بسم اللَّه، والحمد للَّه کثيراً طيّباً، وهذا من رزق اللَّه عزّ وجلّ».

ثمّ قال: «يا حسن، قُم معي، فأتيا السوق، فإذا هما برجل واقف وهو يقول: مَن يقرضُ المَليّ الوفيّ؟ قال: يا بُنيّ، نُعطيه؟». قال: «إي واللَّه، يا أبه»، فأعطاه عليّ عليه السلام الدراهم. فقال الحسن: «يا أبتاه، أعطيتُه الدراهم کلّها؟». قال: «نعم - يا بنيّ - إنّ الّذي يعطي القليل قادر علي أن يعطي الکثير».[3] .

قال: فمضي عليّ بباب رجل يستقرض منه شيئاً فلقيه أعرابيّ ومعه ناقة، فقال: يا عليّ، اشترِ منّي هذه الناقة. قال: «ليس معي ثمنها». قال: فإنّي أنظرک به إلي القبض. قال: «بِکَم، يا أعرابي؟». قال: بمائة درهم. قال عليّ: «خذها، يا حسن»، فأخذها. فمضي عليّ عليه السلام فلقيه أعرابي آخر، المثال واحد والثياب مختلفة، فقال: يا عليّ، تبيع الناقة؟ قال عليّ عليه السلام: «وما تصنع بها؟». قال: أغزو عليها أوّل غزوّة يغزوها ابنُ عمّک. قال: «إن قبلتها فهي لک بلا ثمن». قال: معي ثمنها، وبالثمن أشتريها، فبِکَم اشتريتها؟ قال: «بمائة درهم». قال الأعرابي: فلک سبعون ومائة درهم. قال عليّ عليه السلام: «خذ السبعين والمائة، وسلّم الناقة والمائة للأعرابي الّذي باعنا الناقة، والسبعين لنا نبتاع بها شيئاً، فأخذ الحسن عليه السلام الدراهم وسلّم الناقة. قال عليّ عليه السلام: «فمضيتُ أطلب الأعرابي الّذي ابتعت منه الناقة لاُعطيه ثمنها، فرأيت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله جالساً في مکان لم أره فيه قبل ذلک ولا بعده، علي قارعة الطريق، فلمّا نظر النبيّ صلي الله عليه و آله إلَيَّ تبسّم ضاحکاً حتّي بدت نواجذه».[4] .

قال عليّ عليه السلام: «أضحک اللَّه[5] وبشّرک بيومک.[6] .

فقال: «يا أبا الحسن، إنّک تطلب الأعرابي الّذي باعک الناقة لتوفيه الثمن؟ فقلت: إي واللَّه، فداک أبي واُمّي». فقال: «يا أبا الحسن، الّذي باعک الناقة جبرئيل، والّذي اشتراها منک ميکائيل، والناقة من نُوق الجنّة، والدراهم من عند ربّ العالمين عزّ وجلّ، فأنفقها في خير ولا تخف اقتاراً».[7] .







  1. قُري الضيف: إکرامه و ما يقدّم له.
  2. لعلّ منازعة فاطمة عليهاالسلام إنّما کنت ظاهراً لظهور فضله عليه السلام علي النّاس، أو لظهور الحکمة به فيما صدر عنه، أو لوجه من الوجوه لا نعرفه.
  3. إنّ إعطاءه عليه السلام الدراهم ولم يشتر الطعام إمّا يعلم إذن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فيه أو کان له ولاية في هذا، واللَّه العالم.
  4. النواجذ: الأسنان، وفي البحار: النواجد - بالدال -، وفي لسان العرب إنّها نواجذ بالذالّ وهي أقطع الأضراس.
  5. أضحک اللَّه سّنک: هي الّتي تبدو عند الضحک من الأسنان.
  6. بشّرک بيومک: يوم الشفاعة الّتي وعدها اللَّه تعالي له.
  7. أمالي الصدوق - المجلس الحادي والسبعون: ح 10، والبحار 44:41.