حکاية الأحنف عند معاوية عن إفطاره
فقلت: أحرام هو؟ قال: «لا، ولکن علي أئمّة الحقّ أن يتأسّوا بأضعف رعيّتهم حالاً في الأکل واللباس، ولا يتميّزوا عليهم بشي ء لا يقدمون عليه؛ ليراهم الفقير فيرضي عن اللَّه تعالي بما هو فيه، ويراهم الغني فيزداد شکراً وتواضعاً».[3] . و عنه أيضاً عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، قال: سمعت عبدالملک بن عمر يقول: حدّثني رجل من ثقيف، قال: استعملني عليّ عليه السلام علي عکبرا، وقال لي: «إذا کان الظهر فأتني». قال: فأتيته فلم أجد أحداً يحجبني عنه، ووجدته جالساً وحده وبين يديه قدح من خشب وکوز من ماء، فدعا بجراب مختوم، فقلت: لقد ائتمنني حيث يخرج إلَيّ جوهراً، ولا أعلم ما قيمته، فکسر الخاتم فإذا فيه سويق، فأخرج منه وصبّ في القدح ماء وذرّه عليه، ثمّ شرب وسقاني، فلم أصبر، وقلت: يا أمير المؤمنين، قد وسّع اللَّه عليک، والطعام بالعراق کثير، فقال: «واللَّه، ما ختمت عليه بخلاً، وإنّما ابتاع قدر کفايتي، وأخاف أن يفني فيوضع فيه من غيره، وإنّما أفعل هذا لئلّا يدخل بطني غير طيّب».[4] .
روي السبط ابن الجوزي، عن وکيع، عن الأحنف بن قيس، قال: دخلتُ علي معاوية فقدّم إليَّ من الحلو والحامض ما کثر تعجّبي منه، ثمّ قال: قدّموا ذاک اللون، فقدّموا لوناً ما أدري ما هو. فقلت: ما هذا؟ فقال: مصارين البطّ محشوة بالمخّ ودهن الفستق قد ذرّ عليه السکّر. قال: فبکتُ، فقال: ما يبکيک؟ فقلت: للَّه درّ ابن أبي طالب، لقد جاد من نفسه بما لم تسمح به أنت ولا غيرک. فقال معاوية: وکيف؟ قلت: دخلت عليه ليلة عند إفطاره، فقال لي: «قم فتعشّ مع الحسن والحسين»، ثمّ قام إلي الصلاة، فلمّا فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه، فأخرج منه شعيراً مطحوناً ثمّ ختمه. فقلت: يا أمير المؤمنين، لم أعهدک بخيلاً، فکيف ختمتَ علي هذا الشعير؟ فقال عليه السلام: «لم أختمه بُخلاً، ولکن خفتُ أن يبسّه[1] الحسن والحسين بسمن أو إهالةٍ».[2] .