نبذة ممّا برز من إخلاص عليّ في العمل











نبذة ممّا برز من إخلاص عليّ في العمل



لا يمکن لهذا الوجود أن ينجب شخصاً کعليّ عليه السلام في إخلاصه للَّه جلّ وعلا بعد الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله، فعليّ عليه السلام خير نموذج وأصدق معبّر عن کلّ القيم المعنوية السامية، حتّي أنّ غير المسلمين يجعلونه في إخلاصه نقطة تأمّل ومحطّ إعجاب وتقدير.

ولقد برهن إخلاصه للَّه تعالي عمليّاً في جهاده وذوده عن حياض الإسلام وأمره بالمعروف ونهيه عن المنکر وعبادته، وغيرها ممّا لا يحصر له، فکلّ أعماله يکلها اللَّه تعالي خالصة لا يطلب بها غير وجهه، ولا يهمّه إلّا مرضاته دون أدني ريب، وکان بذلک مناراً للأجيال تحتذي به علي طول التاريخ، وفيما يلي نشير إلي نماذج من إخلاصه:

1- في (البحار) وکذا في (مستدرک الوسائل): عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: لمّا أدرک عمرو بن عبد ودّ لم يضربه، فوقعوا في عليّ عليه السلام فردّ عنه حذيفة. فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «مَه يا حذيفة، فإنّ عليّاً عليه السلام سيذکر سبب وقفته»، ثمّ إنّه ضربه، فلمّا جاء سأله النبيّ صلي الله عليه و آله عن ذلک؟ فقال: «قد کان شتم اُمّي وتفل في وجهي فخشيتُ أن أضربه لحظّ نفسي فترکته حتّي سکن ما بي ثمّ قتلته في اللَّه».[1] .

2- وفي التفسير المنسوب الي الإمام العسکري عليه السلام، قال: «أصبح رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوماً وقدغصّ مجلسه بأهله، فقال: أيّکم أنفق اليوم من ماله ابتغاء وجه اللَّه؟ فسکتوا. فقال عليّ عليه السلام: أنا خرجت ومعي دينار اُريد أشتري به دقيقاً، فرأيت المقدادَ بن الأسود وتبيّنت في وجهه أثر الجوع، فناولته الدينار. فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: وجبت.

ثمّ قام آخر فقال: يا رسول اللَّه، قد أنفقتُ اليوم أکثر ممّا أنفق عليّ، جهّزتُ رجلاً وامرأة يُريدان طريقاً ولا نفقة لهما، فأعطيتهما ألفي درهم، فسکت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله. فقالوا: يا رسول اللَّه، ما لک قلتَ لعليّ عليه السلام: وجبت، ولم تقل لهذا وهو أکثر صدقة؟! فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: أما رأيتم ملکاً يهدي خادمه إليه هدية خفيفة، فيُحسن موقعها عنده، ويرفع محلّ صاحبها، ويحمل إليه من عند خادم آخر هدية عظيمة فيردّها، ويستخفّ بباعثها؟ قالوا: بلي. قال: فکذلک صاحبکم عليّ عليه السلام دفع ديناراً منقاداً للَّه سادّاً خلّة فقير مؤمن، وصاحبکم الآخر أعطي ما أعطي رسول اللَّه، يريد به العلوّ علي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فأحبط اللَّه عمله، وصيّره وبالاً عليه. أمَا لو تصدّق بهذه النيّة من الثري إلي العرش ذهباً ولؤلؤاً لم يزدد بذلک من رحمة اللَّه إلّا بُعداً، وإلي سخط اللَّه تعالي إلّا قرباً، وفيه ولوجاً واقتحاماً» الحديث.[2] .

3- وروي ابن شهر آشوب عن أبي بکر الشيرازي في کتابه، بإسناده عن ابن عبّاس، في قوله تعالي: «رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِکْرِ اللَّهِ» إلي قوله: «بِغَيْرِ حِسَابٍ».[3] قال: هو واللَّه أمير المؤمنين، ثمّ قال بعد کلام له: وذلک أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أعطي عليّاً يوماً ثلاثمائة دينار اُهديت إليه، فقال عليّ عليه السلام: «فأخذتها وقلت: واللَّه لأتصدّقنّ الليلة من هذه الدنانير صدقة يقبلها منّي، فلمّا صلّيتُ العشاء الآخرة مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أخذت مائة دينار، وخرجت من المسجد فاستقبلتني امرأة فأعطيتُها الدنانير، فأصبح النّاس يالغد يقولون: تصدّق عليّ عليه السلام الليلة بمائة دينار علي امرأة فاجرة، فاغتممتُ غمّاً شديداً. فلمّا صلّيتُ الليلة القابلة صلاة العتمة أخذتُ مائة دينار وخرجت من المسجد، وقلت: واللَّه، لأتصدّقنّ الليلة بصدقة يتقبّلها ربّي منّي، فلقيتُ رجلاً فتصدّقت عليه بالدنانير، فأصبح أهل المدينة يقولون: تصدّق عليّ عليه السلام البارحة بمائة دينار علي رجلٍ سارقٍ، فاغتممتُ غمّاً شديداً وقلت: واللَّه لأتصدّقنّ الليلة صدقة يتقبّلها اللَّه منّي، فصلّيتُ العشاء الآخرة مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ثمّ خرجتُ من المسجد ومعي مائة دينار، فلقيتُ رجلاً فأعطيته إيّاها، فلمّا أصبحتُ قال أهل المدينة: تصدّق عليّ عليه السلام البارحة بمائة دينار علي رجلٍ غنيّ، فاغتممت غمّاً شديداً.

فأتيتُ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فخبّرته فقال لي: يا عليّ، هذا جبرئيل يقول لک: إنّ اللَّه عزّ وجلّ قد قبل صدقاتک، وزکّي عملک، إنّ المائة دينار الّتي تصدّقت بها أوّل ليلة وقعت في يدي امرأة فاسدة، فرجعتْ إلي منزلها وتابت إلي اللَّه عزّ وجلّ من الفساد، وجعلت تلک الدنانير رأس مالها، وهي في طلب بعل تتزوّج به. وإنّ الصدقة الثانية وقعت في يدي سارق، فرجع إلي منزله وتاب إلي اللَّه من سرقته، وجعل الدنانير رأس ماله يتّجر بها. وإنّ الصدقة الثالثة وقعت في يدي رجلٍ غني لم يزکّ ماله منذ سنين، فرجع إلي منزله ووبّخ نفسه وقال: شحّاً عليکِ يا نفس، هذا عليّ بن أبي طالب عليه السلام تصدّق علَيَّ بمائة دينار ولا مال له، وأنا فقد أوجب اللَّه علي مالي الزکاة لأعوام کثيرة لم اُزکّه، فحَسَبَ ماله وزکّاه، وأخرج زکاةماله کذا وکذا ديناراً، فأنزل اللَّه فيک «رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ» الآية.[4] .

وفي إنفاقه للَّه أيضاً نزلت آيات کما في سورة هل أتي وآية: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَي أَنفُسِهِمْ وَلَوْ کَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ»[5] وغير ذلک. وقد ذکرنا في فصول مختلفة لم نکرّرها رعاية للاختصار، بل جميع أعماله عليه السلام من العبادة، والحکومة، وجهاده، وإعانة الملهوفين، و... کلّها يأتيها عليه السلام خالصة لوجه اللَّه تعالي، رزقنا اللَّه تعالي تاسياً به في الإخلاص في العمل.







  1. البحار 50:41، ومستدرک الوسائل 220:3.
  2. تفسير الإمام الحسن العسکري عليه السلام: 83، والبحار 18:41.
  3. سورة النور: 37 و 38.
  4. المناقب لابن شهر آشوب 74: 2، البحار 28:41.
  5. سورة الحشر: 9.